كشف سِرّ جديد عن قصف ناغازاكي… هل تعمّد الطيار تغيير هدف القنبلة النووية لإنقاذ الأرواح؟

هو أسبوع هيروشيما وناغازاكي. 80 عاماً على الهجوم الأميركي بقنبلتين ذرّيتين في 6 و9 آب/أغسطس 1945. ما بين عدد الضحايا وتداعيات القنبلتَين، قصص بنكهة الألم والعذاب تقابلها خفايا تُراكم هذا الحدث الاستثنائي في تاريخ البشرية فتكشف سنة بعد سنة ما لم يُكشف ولم يروَ…
“كيرميت بيهان”، هو النقيب (الكابتن) الأميركي موجّه القنبلة في الطائرة “B29” التي أسقطت قنبلة “فات مان” على ناغازاكي. ولكن ما فعلَه “عن قصد أو غير قصد” يُدرّس بعد 80 عاماً على الحدث، وبالتأكيد في السنوات المقبلة.
هجوم ناجازاكي. (مواقع)
لم تكن الهدف!
بالأساس، لم تكن ناغازاكي بدائرة الاستهداف بل كان الهدف الأساسي مصنعاً في مدينة كوكورا ضمن مدينة كيتاكيوشو في محافظة فوكوؤكا، هي مدينة محاطة بمدينتَين صناعيتين مكتظّتين هما يواتا وتوباتا. قبل التطبيق، اختارت لجنة تحديد الأهداف الأميركية عدداً من المدن اليابانية لتنفيذ الهجوم من بينها كيوتو، يوكوهاما، نيغاتا، إلى جانب كوكورا وناغازاكي، إلى حين أمرَ الرئيس الأميركي آنذاك هاري ترومان بالتنفيذ.
في كتاب “ناغازاكي” لبرنارد كلارك نشرت صحيفة “التايمز” مقتطفات منه، أمَر ترومان تحديداً بأن تُلقى القنبلة فقط عبر إسقاط بصري، أي أن يكون الهدف مرئياً بوضوح. كانت هناك فوق كوكورا طائرتا استطلاع جوي أفادتا في ذلك الوقت بوجود غيوم بنسبة 10% فقط، فالسماء إذاً كانت صافية ولا عائق أمام الإسقاط البصري. إلّا أن هذا ليس ما حدث!
كان سكّان مدينة كوكورا البالغ عددهم 600 ألف يواصلون حياتهم بشكل طبيعي غير مدركين لمصيرهم. وعندما استعدّ الطيّار تشارلز سويني لعملية الإسقاط، صرَخ بيهان من موقعه بمقدّمة الطائرة: “يا إلهي، يا إلهي، لا رؤية! لا إسقاط، لا إسقاط، لا إسقاط!”. ومع تكرار الرفض 3 مرّات، اضطر سويني وقد بدأ وقود طائرته ينفد على التوجّه نحو الهدف الثانوي: ناغازاكي!
ونظراَ لأن ناغازاكي ميناء على شكل حرف “V” ومركزها يسهل تحديد موقعه على الرادار، فلم يكن هناك شك بنجاح الضربة…
القصّة لم تنتهِ…
يكشف كلارك تفاصيل ما بعد موقف بيهان هذا. فقد أفادت المعطيات بأّنه عند الاقتراب من المدينة، حصل جدل داخل الطائرة إذ بسبب الغيوم المتزايدة، طالب بعض الطاقم باستخدام الإسقاط عبر الرادار بدلاً من البصري، رغم أوامر ترومان الواضحة.
ولكن قبل الإسقاط بـ3 أميال، رأى بيهان فجوة في الغيوم وصرخ لسويني: “انحرف يميناً… أرى هدفاً”. كان في ضاحية أوراكا مي، أحد ملاعب “التنِس” التابعة للمدير العام لشركة “ميتسوبيشي”، بجوار ما كان يُعرف سابقاً بأكبر كاتدرائية كاثوليكية في اليابان، فيها الكثافة السكّانية ضئيلة!
تعطّل مفتاح التحكّم الإلكتروني بالقنبلة، فاضطر بيهان إلى سحب ذراع يدوي فوق كتفه لإسقاطها، وكانت على بُعد 2.18 ميل من مركز ناغازاكي شمال المدينة. ووسط ارتياح طاقم الطائرة وتصفيقه، قال النقيب: “يا إلهي، يا إلهي… لن تتكرّر أبداً، لن تتكرّر أبداً”.
كيرميت بيهان. (غيتي)
هذا السيناريو وثّقه تسجيل لأحاديث جهاز الاتّصال الداخلي لـ”رحلة القنبلة” من الإقلاع في جزيرة تينيان إلى الهبوط شبه الاضطراري في جزيرة أوكيناوا.
فبعد قنبلة “الولد الصغير” على هيروشيما و”فات مان” على ناغازاكي، أعلنت اليابان في 15 آب/أغسطس استسلامها لتنتهي الحرب العالمية الثانية.
هديّة!
في ذلك اليوم، الخميس 9 آب/أغسطس 1945، كان عيد ميلاد كيرميت بيهان السابع والعشرين.
يتساءل كلارك: “هل كانت “هدية عيد ميلاده” للبشرية أن يغضّ الطرف عن السماء الصافية فوق كوكورا، ويلقي القنبلة عمداً قرب الهدف الثانوي في ناغازاكي؟
تلميح للإجابة يأتي من مصدر غير متوقّع هو كيرميت الابن الذي قال لكلارك: “أستطيع أن أؤكد لك شيئاً واحداً بخصوص ذلك، شيئاً واحداً مؤكّداً. والدي كان مخلصاً لسلاح الجو، ومخلصاً أيضاً في تنفيذ الأوامر. كل ما فعله والدي، فعله لأن ضابطاً أعلى رتبة أمره بذلك”.
إذاً، يبقى السؤال: هل قرّر قاذف القنابل، الكابتن كيرميت بيهان، من تلقاء نفسه، بعدما رأى دمار هيروشيما قبل أيام في 6 آب، أن يُسقِط القنبلة ذات القدرة التدميرية الهائلة إلى جانب الهدف الثانوي؟ أم أن أحداً من كبار القادة أمره بذلك؟
رغم أن الحرب كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، إلا أن الجنرال المتعصّب كيرتس لوماي، المسؤول عن قصف اليابان، كان مصمّماً على قتل أكبر عدد ممكن من اليابانيين، وأثار غضبه حجم الدمار المحدود نسبياً في ناغازاكي. هذا الغضب دفعه إلى الترويج لسيناريوهات بديلة لتبرير عدم قتل قنبلة “الرجل البدين” لمئات الآلاف من الناس — وكان التفسير الأكثر تداولاً هو الغطاء السحابي.
ويروي كلارك أنّه أمضى أسبوعاً في أرشيف مكتبة الكونغرس في واشنطن العاصمة، واطلع بدقة على تقارير الطقس، واتجاهات الرياح، والأوامر المكتوبة، والمقابلات، وتقارير الاستجواب. وبينما كان من الممكن تمييز محاولة تغطية فاترة بعد الحرب، فإن أياً من المزاعم حول الغيوم أو الدخان المتصاعد فوق الهدف لم يكن مقنعاً على الإطلاق. تصرفات بيهان كانت إمّا بناءً على قراره الشخصي أو بأمر من جهة عليا. وبعبارة أخرى، لم يكن هناك أي غطاء سحابي في ذلك اليوم فوق كوكورا.
كان ترومان مصدوماً بشدّة من حجم الخسائر البشرية في هيروشيما. ومن المحتمل أنه استخدم إحدى القنوات الخلفية لتجاوز لوماي، وتواصل مباشرة مع الجنرال فاريل، رئيس العمليات الميدانية، في جزيرة تينيان قبل إقلاع طائرة B29. ولكن، كما هو الحال مع العديد من ألغاز التاريخ، من المرجح أن لا نعرف الحقيقة أبداً.