عسكرياً… نتنياهو يتجاهل ‘النهج التقليدي‘ في غزة

بحسب الجنرال الصيني صن تزو، ليس بإمكان أي معركتين أن تتشابها، حتى لو خاضتها القوى نفسها. فالظروف التي تحكم المعركة الأولى تتغير حكماً في الثانية. وكما قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس في دلالة مشابهة، “لا ينزل المرء مرتين في النهر نفسه”. فجزيئات الماء التي غمرته في المرة الأولى تبدلت سريعاً؛ وهكذا أحوال الحياة عموماً.
لو أخذ “حزب الله” عامل تبدل الظروف بالاعتبار، لما وضع حرب تموز 2006 مرجعية له في تقييم احتمالات الانتصار، وحتى الردع، خلال الحروب المستقبلية مع إسرائيل. على أي حال، جاء دور إسرائيل الآن لارتكاب الأخطاء.
التاريخ قاسٍ
بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، رسمت إسرائيل هدف القضاء على “حماس”. نظرياً، يُعد الهدف مفرطاً في التفاؤل، وأسوأ، في الغموض. فما هي الأدلة التي ستبرهن “القضاء” على الحركة؟ يستحيل تحييد نحو 30 ألف مقاتل، لا لأن العدد كبير والميدان معقد وحسب، بل لأن “حماس” ستظل قادرة على التجنيد. هذا ما يتحقق حالياً مع تمكن المقاتلين من إعادة تجميع أنفسهم في مناطق احتلتها إسرائيل سابقاً. كمين بيت حانون أوائل تموز/يوليو الماضي الذي أودى بحياة 5 جنود إسرائيليين وأسقط نحو 20 جريحاً منهم، مجرد دليل واحد.
عملياً، وإذا كان يمكن استنتاج خلاصات عسكرية من معارك قضى فيها الطرف الأول على الثاني، كما حصل مثلاً بين فيتنام والخمير الحمر، فثمة حاجة مؤكدة إلى وقت طويل. حققت فيتنام هدفها شبه النهائي (والمكلف) بعد أكثر من عشرة أعوام (1978-1989) من احتلال كمبوديا، بالرغم من طردها السريع للخمير الحمر من العاصمة بنوم بنه. ولم يتوقف التمرد من الأدغال إلا بحلول نهاية القرن الماضي مع اعتقال بول بوت. ليس واضحاً ما إذا كانت إسرائيل قادرة على البقاء في غزة حتى لنصف هذا الوقت.
جنود إسرائيليون بالقرب من غزة (أب، 2023)
في لبنان وإيران، حققت إسرائيل انتصاراً سريعاً نسبياً لأنها اخترقت سلاسل الإمرة والقيادة والتوريد في الضاحية وطهران. حصل ذلك لأن “حماس” خدعت الإسرائيليين عبر التظاهر بأنها تهتم بالحكم المحلي لا بمحاربة إسرائيل. بالتالي، ركزت الأخيرة جهودها على الخارج لا على “حماس”. لكن تل أبيب انتصرت أيضاً بكلفة مقبولة لأنها أدركت عدم جدوى إطالة الحرب مع الطرفين، بما أن النزاعات تدخل عادة مرحلة العوائد المتناقصة بمرور الوقت، خصوصاً بعد ضرب أهم الأهداف. يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تعتقد أن الحرب في غزة، مهما أنهكت جنودَها واستهدفت المزيد من المقاتلين والقادة المتواضعي المستوى، لا تدخل مرحلة كهذه.
الفرصة التي فاتت؟
في وقت يظهر أن الحكومة الإسرائيلية على طريق إصدار الأوامر لاحتلال كامل قطاع غزة وسط اعتراض من المؤسسة العسكرية، تتزايد تحذيرات من الوصول إلى طريق مسدود.
رأى عاموس يدلين في صحيفة “جيروزاليم بوست” أنه وبعدما أضاعت فرصة إطلاق تسوية سياسية عقب الحرب على إيران، تبدو إسرائيل اليوم خاسرة على مستويات عدة. كان على إسرائيل بحسب الكاتب، وهو قائد أسبق للاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، القبول حينها بصفقة شاملة تتضمن سماحاً أميركياً بحرّيّة الحركة ضد “حماس”، بدلاً من الغرق في حرب بلا نهاية، وهي حرب تناقض أصلاً عقيدة إسرائيل وتقدم وعداً “وهمياً” بـ “انتصار شامل”.
للتأكيد، أخطأ المحللون أكثر من مرة في قياس قدرة إسرائيل على مواصلة القتال، وبالتالي، هي قد تحقق هدفها بشلّ “حماس” في نهاية المطاف. لكن المؤشرات الحالية، كما الحكمة التقليدية في الشؤون العسكرية، لا تدعم احتمالاً كبيراً لتحقق ذلك، وليس بدون كلفة كبيرة على أي حال. بالعودة إلى الخمير الحمر مثلاً، كانت كمبوديا بالنسبة إلى فيتنام، ما كانت عليه فيتنام بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
داليا داسا كاي من “جامعة كاليفورنيا لوس أنجليس” أشارت مؤخراً إلى أن إسرائيل تفشل في تحويل نصرها العسكري إلى نصر ديبلوماسي، تماماً كما حصل في حرب 1967.
لكن الفرق بين 1967 و2025 أن إسرائيل لم تغرق نفسها في حرب شبه أبدية.