خلفيات رحلة نووية إيرانية “مريبة”… من طهران إلى مختبرات روسيا

الساعة 9:40 صباحاً من يوم 4 آب/أغسطس من العام الماضي، هبطت رحلة طيران ماهان W598 الآتية من طهران في مطار شيريميتيفو الدولي بموسكو. وكان من بين الركاب علي قلاوند، عالم نووي إيراني يبلغ من العمر 43 عاماً، برفقة أربعة موظفين ادعى أنهم من شركة” دامافاند تيك”، وهي شركة استشارية مقرها مكتب صغير في العاصمة الإيرانية.
لكن هذه لم تكن القصة الكاملة . كان الإيرانيون قد سافروا إلى روسيا بجوازات سفر ديبلوماسية، بعضها مرقم بالتسلسل وصدر في نفس اليوم قبل أسابيع قليلة من الرحلة.
كان أحد أعضاء الوفد عالماً نووياً إيرانياً يعمل، وفقاً لمسؤولين غربيين، فيSPND، أو منظمة الابتكار والأبحاث الدفاعية. وصفت الحكومة الأميركية هذه الوحدة السرية للبحوث العسكرية بأنها “المنظمة التي خلفت مباشرة برنامج الأسلحة النووية الإيراني قبل عام 2004”.
مستند اطلعت عليه الصحيفة (فاينانشال تايمز)
وكشفت تحقيقات صحيفة “فاينانشال تايمز” أن الوفد الإيراني زار معاهد علمية روسية تنتج تقنيات ذات استخدام مزدوج، وهي مكونات ذات تطبيقات مدنية، لكن الخبراء يقولون إنها قد تكون ذات صلة بأبحاث الأسلحة النووية. وتستند التحقيقات إلى رسائل ووثائق سفر وسجلات شركات إيرانية وروسية، بالإضافة إلى مقابلات مع مسؤولين غربيين وخبراء في مجال منع الانتشار النووي.
وراجعت الصحيفة رسالة أرسلتها شركة “دامافاند تيك” إلى مورد روسي في أيار/مايو من العام الماضي، أعرب فيها قلاوند عن اهتمامه بشراء عدة نظائر مشعة بما في ذلك التريتيوم، وهو مادة لها استخدامات مدنية ولكن يمكن استخدامها لزيادة قوة الرؤوس النووية، وتخضع لرقابة صارمة بموجب قواعد عدم الانتشار الدولية. جاءت الرحلة إلى روسيا في وقت كانت فيه الحكومات الغربية تلاحظ نمطاً من الأنشطة المشبوهة التي يقوم بها علماء إيرانيون، بما في ذلك محاولات لشراء تكنولوجيا ذات صلة بالطاقة النووية من الخارج.
تعتقد وكالات الاستخبارات الغربية أن إيران كانت لديها برنامج سري للأسلحة النووية – منفصل عن جهودها لإنتاج الوقود النووي – والذي أوقفه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في عام 2003.
البعثة الإيرانية إلى روسيا التي كشفت عنها صحيفة “فاينانشال تايمز” لا تقدم في حد ذاتها أدلة من شأنها تغيير تقييمات الغرب لبرنامج إيران النووي، ولكنها مثال على نوع الأنشطة التي أثارت قلق وكالات الاستخبارات الغربية.
لا تذكر الوثائق ما هي التكنولوجيا أو المعرفة التي كان الوفد الإيراني يسعى للحصول عليها من هذه الشركات في روسيا. ومع ذلك، يقول العديد من خبراء منع الانتشار الذين اتصلت بهم الصحيفة إن خلفيات أعضاء الوفد، وأنواع الشركات الروسية التي التقوا بها، والحيل التي استخدموها أثناء سفرهم تثير الشكوك.
ويضيف إيان ستيوارت، المهندس النووي السابق في وزارة الدفاع البريطانية ورئيس مكتب واشنطن لمركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار (CNS): ”على الرغم من أنه قد تكون هناك تفسيرات حميدة لهذه الزيارات، فإن مجموع المعلومات المتاحة يشير إلى احتمال أن SPND الإيرانية تسعى إلى الحفاظ على خبرتها في مجال الأسلحة النووية من خلال الاستفادة من الخبرة الروسية”.
في أوائل عام 2024، تلقى قلاوند طلباً من وزارة الدفاع الإيرانية لاستخدام شركته الصغيرة لترتيب سفر وفد حساس إلى موسكو، وفقاً للمراسلات التي اطلعت عليها “فاينانشال تايمز”. بحلول أيار/مايو، تلقى قلاوند، الذي يتحدث الروسية بطلاقة وحاصل على شهادة في الفيزياء النووية من معهد كييف البوليتكنيك، رسالة في شركته الاستشارية من أوليغ ماسلينيكوف، عالم روسي يبلغ من العمر 78 عاماً. دعت الرسالة قلاوند وأربعة أفراد محددين إلى زيارة رسمية لإحدى شركات ماسلينيكوف في موسكو.
لكن هذا الوفد لم يكن مجموعة من الأكاديميين العاديين. وفقاً لوثائق الشركات الإيرانية، وقوائم العقوبات، والمسؤولين الغربيين، فإن أعضاء الوفد المسافر على صلة وثيقة بـ SPNDالتي وصفتها الولايات المتحدة بأنها “المسؤولة الرئيسية عن الأبحاث في مجال تطوير الأسلحة النووية”.