مارلين مونرو: السيدة التي ناضلت لتحقيق الكمال في عالم قاسي

بفستانها الأبيض، وشعرها البلاتيني، وحمرتها الساطعة، وقفت مارلين مونرو فوق فتحات التهوية في أحد شوارع نيويورك، خلال تصوير مشهد من فيلم “سنة الحكّة السابعة” عام 1954. طار الفستان، وطار معه مشهد عفوي تحوّل إلى واحدة من أشهر اللقطات في تاريخ السينما. مشهد بقي في الذاكرة ليس لأنه جريء، بل لأنه ذكي وخفيف ومركّب تمامًا مثلها.
مارلين لم تكن مجرد صورة أو رمز للإغواء كما أراد لها العالم أن تكون. كانت امرأة طموحة، معقدة، تتأرجح بين الخجل والقوة، بين الطفلة والنجمة. صاغت صورتها بوعي، ودفعت ثمن ذلك الوعي في زمن لم يتسع لامرأة جميلة تريد أن تكون أكثر من جميلة.
مارلين مونرو ولقطة الفستان الشهيرة.
ولدت باسم نورما جين مورتنسن، ولم تعرف الأمان يومًا. والدتها أُدخلت إلى مصح عقلي، ووالدها لم تعرفه، وهي تنقلت بين دور الحضانة والبيوت الحاضنة، تفتّش عن حنان لم تجده. تقول غلوريا ستاينم في كتابها “Marilyn: Norma Jeane” إن مارلين كانت طوال حياتها تبحث عن الانتماء. ربما لهذا السبب تعلّقت بالجمهور… لأنه الوحيد الذي لم يخذلها تمامًا.
حين دخلت هوليوود، كان جمالها بوابتها، لكنه لم يكن كافيًا لتفرض نفسها. فدرست التمثيل بجدية في “Actors Studio”، وعملت على تطوير أدواتها الفنية، مصمّمة على أن تُعامل كامرأة كاملة، لا كسلعة. الصحافي أنتوني سامرز يروي في “Goddess” كيف قاومت مارلين الاستغلال من أول الطريق، وكانت تعرف تمامًا ما تفعل. حتى “نظرة المثلث” التي عُرفت بها تحوّلت لاحقًا إلى ترند على منصات التواصل، يقلّدها المؤثرون والمشاهير، ويحاولون إتقانها. لكن الحقيقة أنها لا تتكرر. لأن مارلين لم تكن فقط تؤديها، بل كانت تعيشها.
مارلين مونرو في آخر جلسة تصوير.
ورغم هذا الحضور الطاغي، كانت وحيدة. في مذكراتها غير المكتملة “My Story”، كتبت عن خوفها من الهجر، عن قلقها، عن محاولتها أن تُحَب لا كمونرو، بل كإنسانة. لجأت إلى المهدئات، وتعقّدت حياتها العاطفية. لم تمنحها علاقتها بآرثر ميلر ولا بجون كينيدي ذلك الحب البسيط الذي كانت تبحث عنه. وكتب لورانس شيلر في “Marilyn and Me” أن مارلين كانت تعرف أن الجمال نعمة ونقمة، وأن النساء الجميلات لا يُمنحن دومًا الحب الذي يستحققنه.
في سن السادسة والثلاثين، وُجدت مارلين ميتة في منزلها. التقرير الرسمي قال إنها انتحرت، لكن كتباً كثيرة، مثل “The Last Days of Marilyn Monroe”، طرحت علامات استفهام كبيرة. هل كانت النهاية نتيجة يأس؟ أم صمتٌ فُرض لتغطية فضيحة ما؟ لا أحد يملك الإجابة. ما نعرفه فقط أنها لم تمت تمامًا. تحوّلت إلى رمز، إلى فكرة، إلى امرأة تتجدّد مع كل جيل يعيد اكتشافها على طريقته.
من فيلم “الرجال يفضلون الشقراوات“.
وهنا، لا يمكن ألا نستحضر سعاد حسني؛ “السندريلا” التي عاشت النور وخبّأت في داخله ظلًا يشبه ظل مارلين. ضحكة ساحرة، حضور لا يُنسى، لكن خلف اللمعة كان ثمة وجع لا يُقال بسهولة. الاثنتان رحلتا في عمر متقارب، وبنهاية بقيت موضع شك، كأن الأيقونات لا تموت بشكل عادي. يتركن لنا الحكاية من دون خاتمة، كأنهن يقلن لنا: افهمونا أكثر.
مارلين مونرو لم تكن فقط المرأة التي غنّت “عيد ميلاد سعيداً” لجون كينيدي، ولا الفستان الأبيض الذي ارتفع في الهواء. كانت امرأة تعبت من محاولة أن تكون مثالية في عالم لا يغفر الهشاشة. جمالها كان حقيقياً، لكن هشاشتها كانت حقيقية أيضًا. وربما هذا التناقض هو ما جعلها خالدة. في ذكرى رحيلها، لا نتذكّر مارلين أيقونة فحسب، بل إنسانة أرادت أن تُحَب وتُفهم.