إصلاح البنوك في لبنان: تأجيل الإصلاح أم تعزيز السيطرة المصرفية؟

إصلاح البنوك في لبنان: تأجيل الإصلاح أم تعزيز السيطرة المصرفية؟

د. إبراهيم العرب 

أقرّ مجلس النواب اللبناني في 31 تموز\يوليو 2025 قانون إصلاح وضع المصارف، في خطوة تُعدّ مركزية في خارطة طريق التعافي المالي بعد الانهيار الاقتصادي الذي بدأ عام 2019. ويتكوّن القانون من 37 مادة موزعة على عشرة أبواب، إضافة إلى ملحق يتعلق بتراتبية الأموال الخاصة والدائنين، ويهدف إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي بما يضمن استقراره واستعادة الثقة به.
رغم أن القانون يضع إطاراً قانونياً لإعادة رسملة المصارف القابلة للاستمرار، وتصنيف البنوك، وحل المتعثرة منها أو دمجها، إلا أنّ تنفيذ عدد من مواده الرئيسية –  أبرزها المواد 2 و14 و26 و36 و37 – قد جرى تعليقه إلى حين إقرار “قانون الفجوة المالية” المرتقب صدوره في تشرين الأول\أكتوبر 2025. ويُفترض أن يحدد هذا القانون حجم الخسائر في النظام المالي وآليات توزيعها، وهو شرط أساسي لأي إعادة هيكلة جدّية.
يعتمد القانون على إنشاء هيئة مصرفية عليا تتكوّن من مجلسين مستقلين عن السلطة السياسية والمصارف من حيث المبدأ، لكنها تمنح دوراً كبيراً لمصرف لبنان، ما يثير تحفظات حيال استقلالية القرار.
الغرفة الأولى، برئاسة حاكم مصرف لبنان، تُكلّف تطبيق الإجراءات العقابية والتنظيمية في حق المؤسسات المخالفة.
الغرفة الثانية، ذات الطابع الاستراتيجي، تُعنى باتخاذ القرارات بشأن إعادة هيكلة المصارف أو تصفيتها، مع تركيبة تُعطي مصرف لبنان وزناً وازناً في عملية اتخاذ القرار.
يُشارك رئيس هيئة الرقابة على المصارف في الاجتماعات من دون حق التصويت، مكتفياً بتقديم تقييمات مستقلة، كما تُشرك لجان التصفية ممثلين عن المودعين.
ويُطبّق الضمان على أساس كل مصرف على حدة، لا بشكل تراكمي، ما يُعطي أفضلية نسبية لأصحاب الحسابات المتعددة في مصارف مختلفة.
ورغم الطابع المؤسسي الذي تسعى الهيئة إلى تكريسه، فإن عدداً من الخبراء يعترضون على تركّز السلطة بيد مصرف لبنان، وهو مؤسسة لطالما وُجهت إليها انتقادات حادة على خلفية سوء الإدارة وقصور الشفافية. وكان من المفترض أن تكون هنالك اقتراحات بديلة لتعديل التوازن، مثل تعيين خبراء مستقلين ضمن الهيئة، أو إلزامها تقديم تقارير دورية إلى البرلمان من باب تعزيز المساءلة.
كذلك يشترط القانون بموجب المادة 37، عدم تنفيذ العديد من أحكامه إلا بعد صدور قانون توزيع الخسائر المالية. ويبرر هذا الربط بأنه يُعدّ “عنصر حماية” يضمن عدم تحميل فئة واحدة –  خصوصاً المودعين – عبء الأزمة.
لكن تعليق التنفيذ بهذا الشكل يثير مخاوف عدة: فحتى اليوم، لا يوجد تقييم مالي مستقل للخسائر، ولا إطار قانونياً شاملاً لتسوية أوضاع المصارف، ما يجعل تنفيذ الإصلاحات محفوفاً بالغموض والمخاطر.
وفي هذا السياق، يُتخوف من أن تستفيد المصارف الكبيرة المرتبطة بالسلطة السياسية على حساب البنوك الصغيرة أو المتوسطة، وسط غياب الشفافية، وضعف الحوكمة، وانعدام أي مساءلة قانونية حقيقية للمسؤولين عن الانهيار.
رغم أهمية القانون من حيث الشكل، إلا أنه لا يتضمن أي شبكة أمان اجتماعي تحمي المودعين الصغار أو الشرائح المتضررة من الأزمة، كما يغيب فيه أي تدبير يعالج سوء الإدارة السابقة أو يفرض مسؤولية قانونية على من تسبب بالانهيار.
وهذا النقص يضاعف من التبعات الاجتماعية للأزمة: من الضغط على السيولة المتاحة للشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى تباطؤ الاستهلاك الداخلي، وصولًا إلى زيادة الضغط على الليرة اللبنانية في ظل استمرار انعدام الثقة.

 

 

 

 

في المحصلة، يُعدّ قانون إصلاح المصارف خطوةً أولية نحو تنظيم القطاع المصرفي وإعادة هيكلته. لكنه، في صيغته الحالية، لايزال بعيداً من أن يكون حلاً شاملاً للأزمة المالية. فتعليق تنفيذه إلى حين صدور قانون الفجوة المالية، وغياب الشفافية، وتركيز السلطة بيد مصرف لبنان، ومخاطر تفضيل المصارف الكبرى، كلها عوامل تهدد بجعل الإصلاح شكلًياً، غير قادر على حماية حقوق المودعين أو إعادة الثقة بالنظام المالي. ومن دون خارطة طريق واضحة، تبقى الوعود بالإصلاح عرضة للتآكل، وتبقى أموال المودعين رهينة المجهول.