منصة ‘هدف’: مبادرة تعليمية لبنانية تتجه نحو العالم العربي وتستثمر في الذكاء الاصطناعي

تشهد المنصات التعليمية الرقمية في المنطقة العربية تنامياً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مدفوعة بالحاجة إلى بدائل تدريبية مرنة، قادرة على مواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة. في هذا السياق، ظهرت منصة “هدف”، التي تأسست في لبنان عام 2023، كمبادرة تربوية رقمية تسعى إلى تأمين تدريب مهني مستمر للممارسين في القطاع التعليمي، مع تركيز واضح على الجودة والتحديث.
وفي مقابلة مع “النهار”، تحدّث رئيس المنصة، حسن عسيلي، عن انطلاقة المشروع وانتشاره في العالم العربي، إلى جانب أبرز المحاور التي تعمل عليها المنصة، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والوعي الرقمي وتطوير المهارات التربوية.
ورغم الفترة الزمنية القصيرة منذ انطلاقها، استطاعت المنصة جذب آلاف المتدربين من لبنان وعدد من الدول العربية، من بينها سوريا، الأردن، فلسطين، العراق، مصر، اليمن ودول الخليج، كما وصلت خدماتها إلى الجاليات العربية في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية. هذا الانتشار، كما يقول عسيلي، لم يكن فقط بفعل الحاجة المتزايدة، بل نتيجة عمل ممنهج على تقديم محتوى تدريبي متخصّص، يجمع بين الجانب الأكاديمي والبعد التطبيقي.
تركّز المنصة، بحسب ما أوضح عسيلي، على تنظيم محاضرات ومؤتمرات افتراضية تعالج قضايا مستجدة في القطاع التربوي، منها: الذكاء الاصطناعي في التعليم، التكنولوجيا التربوية، الأمن السيبراني، التحول الرقمي في الإدارة، ومهارات المستقبل. كما تسعى إلى عقد شراكات تعاون مع مؤسسات تعليمية وجامعات وجمعيات وبلديات في أكثر من بلد، في محاولة لتوسيع دائرة الاستفادة من برامجها.
أحد الجوانب التي توليها المنصة أهمية خاصة هو الوعي الرقمي، والذي بات، وفق عسيلي، ضرورة مهنية ومجتمعية في آن، وليس مجرد إضافة تدريبية. ويضيف: “نعيش اليوم تحديات غير مسبوقة في الفضاء الرقمي، من انتشار المعلومات المضللة إلى ضعف حماية الخصوصية، وهو ما يفرض تأهيلاً منهجياً للمعلمين والمتعلمين على حد سواء”. وتعمل المنصة، في هذا الإطار، على تدريب المنتسبين على مفاهيم مثل المواطنة الرقمية، السلوك المسؤول، حماية البيانات، والتعامل الواعي مع أدوات التكنولوجيا داخل البيئة التعليمية.
أما على صعيد الذكاء الاصطناعي، فتتعامل “هدف” مع هذا المجال باعتباره فرصة يمكن توظيفها في تطوير الممارسة التربوية. وتقدّم المنصة تدريبات تطبيقية على أدوات تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل: ChatGPT، MagicSchool، Canva AI، Diffit، وMicrosoft Copilot، مع الحرص على تعريف المعلمين بكيفية استخدامها لتصميم أنشطة صفية، أو إعداد اختبارات تفاعلية، أو دعم التعليم التفاضلي.
ويؤكّد عسيلي أن هذه الورش تلقى تفاعلاً مرتفعاً، ما يعكس الحاجة الواضحة لدى العاملين في التعليم إلى اكتساب مهارات رقمية متقدمة، خصوصاً في ظل فجوة المعرفة بين الأدوات الرقمية المتوفرة والتدريب الفعلي عليها.
ومن المبادرات التي تميّز المنصة أيضًا ما يُعرف بـ”المقهى التربوي”، وهو لقاء شهري مفتوح ينظَّم بشكل دوري، يجمع المعلمين والتربويين في مساحة حوار غير رسمية، تُناقش فيها قضايا تتصل بالواقع المهني والنفسي للعاملين في التعليم. ويُعقد المقهى مرتين عبر الإنترنت، في حين تُنظم جلسة حضورية ثالثة نهاية كل فصل دراسي، تتنقّل بين المحافظات اللبنانية. وتتنوّع الموضوعات التي تُطرح فيه، من الصحة النفسية في بيئة العمل إلى عرض تجارب تعليمية وأدوات جديدة، في محاولة للخروج من الإطار الأكاديمي التقليدي نحو تفاعل إنساني ومهني أوسع. وتُدير هذا النشاط الدكتورة نادين حيدر، وهي صاحبة الفكرة الأساسية، وتشرف عليه من موقعها كمسؤولة عن المؤتمرات في المنصة.
وعلى المستوى المستقبلي، تشير المنصة إلى أنها تعمل على تطوير أدوات تعليمية ذكية خاصة بها، من ضمن رؤية استراتيجية ترتكز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعلم والتدريب. ويجري حالياً، بحسب عسيلي، التخطيط لمشاريع تشمل تحليل بيانات المتعلمين، إنشاء نظام تقييم ذكي، وتطوير مساعد تربوي تفاعلي يعمل على مدار الساعة لدعم المتدربين. ويتم ذلك بالتعاون مع نقابة تكنولوجيا التربية ومؤسسات تقنية وأكاديمية في لبنان وخارجه.
في الختام، تبدو تجربة “هدف” واحدة من المبادرات التي تعكس دينامية جديدة في قطاع التعليم العربي، تجمع بين الاستفادة من التحول الرقمي والحفاظ على الجوانب التربوية الجوهرية، في وقت تتصاعد فيه الحاجة إلى محتوى تدريبي يواكب المتغيّرات التقنية والاجتماعية والمهنية.