حالة حزن جماعي بعد فقدان زياد الرحباني… كيف يفسر علم النفس ارتباط الأشخاص بالفنانين؟

حالة حزن جماعي بعد فقدان زياد الرحباني… كيف يفسر علم النفس ارتباط الأشخاص بالفنانين؟

 

لم يكن رحيل زياد الرحباني مشابهاً لخسارة أي فنان لأنه لم يكن مجرد فنان بل يصفه كثيرون بالضمير الحي والمرآة التي تعكس حالة المجتمع وصوت اللبنانيين ووجعهم من خلال أعماله الهادفة وموسيقاه وفكره الذي لا يشبه غيره. بدا وكأن نسبة كبيرة من المواطنين فقدت أحد المقربين ولو لم يكن أي منهم على تواصل قريب معه. وكأن كثيرين فقدوا أحد أفراد العائلة وقد ظهر ذلك واضحاً من حالات الانهيار والبكاء، والحزن الشديد أمام هذه الفاجعة.

 

 

زياد الرحباني

فكيف يفسر علم النفس حالة الحزن الجماعي التي سجّلت في المجتمع بعد رحيل الفنان زياد الرحباني؟
 هذه الحالة  معروفة في علم النفس وتترجم بحالة التعلّق العاطفي في ما يُعرف بالـ Parasocial relathionship ،وفق ما أوضحه في حديث إلى “النهار” الطبيب الاختصاصي في الأمراض النفسية في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فادي معلوف. ويشير معلوف إلى أن لكل من المشاهير معجبين يتعلقون به بشكل زائد، إلا أن ما يحصل في حالة التعلّق العاطفي بأحد المشاهير، كما في حالة الفنان زياد الرحباني، أن الفنان يمثل قيماً معينة لمعجبيه ما يزيد من معدلات التعلق به ومن مستويات الحزن لدى فقدانه.
وفي حالة الفنان زياد الرحباني، يتعدى الأمر كونه مجرد تعلّق عادي بفنان لأنه يتخطى كونه مرآة للمجتمع، وفق معلوف، إنما يجد فيه كثيرون جزءاً من هويتهم وشخصيتهم بشكل يؤدي إلى التماهي معه، إضافة إلى كونه أيقونة. وبالتالي في هذه الحالة يتخطى الحزن عليه كونه مجرد حزن عادي على فنان أحبوه، ففي كل لحظة حزن عليه يتأثرون بعودة لحظات سمعوا فيها أغنية له أو شاهدوا عملاً. كما أن هذه الأعمال الخاصة به تشكل ذاكرتهم وتحمل الكثير من النوستالجيا بالنسبة إليهم. فمن يبكون زياد هنا لا يبكون فنه بل يبكون جزءاً منهم يتذكرونه عند سماع أعماله في ظروف مختلفة. هم يتذكرون أموراً تخصهم لدى مشاهدة أعماله أو سماعها وتذكرهم بلحظات معينة وبجزء من هويتهم، إضافة إلى كونها مرآة لأفكارهم ولأمور كانوا يتمنون أن يقولوها ولم يفعلوا ما يزيدهم حزناً. فقد كان يعبّر عنهم من خلال أعماله وفكره وهذا ما يحزنهم أيضاً بفقداته.
فالشعور بالحزن هنا لا علاقة له بالمعرفة الشخصية لأن معظم من تعرضوا لانهيار بعد وفاته لم يكونوا على معرفة به. وبحسب معلوف، في حالة التعلّق العاطفي بفنان يمثل قيم كثيرين، تحفز في الدماغ المواضع ذاتها التي تتأثر في العلاقات الفاعلية مع أشخاص مقربين نفقدهم ويكون الشعور حقيقياً للغاية، وبالتالي لا يكون الحزن وهمياً هنا. 

هل مراحل الحداد مشابهة لتلك التي ترافق فقدان قريب؟
حتى في حالة فقدان فنان يمثل هوية وقيماً مثل زياد الرحباني، تكون مراحل الحداد مشابهة لتلك التي ترافق حالة فقدان أحد المقربين وهي عبارة عن خمس مراحل. لكن كونها هنا حالة حزن جماعي يجتمع فيها الناس في حالة الحزن يكون أثره أكثر سهولة. فالاجتماع حول الحزن ومشاركته مع آخرين ينعكس إيجاباً على من يشعر به، وإن كان الحزن كبيراً على هذه الخسارة. فمن المحتمل عندها أن يسرّع ذلك مراحل الحداد المعتادة ولو كانت موجودة كلّها كما في حالات فقدان أحد المقربين.