هجمات كردستان: “إشارات إيرانية” وضغوط لإلغاء الاتفاقات مع بغداد

هجمات كردستان: “إشارات إيرانية” وضغوط لإلغاء الاتفاقات مع بغداد

على مدى أسبوعين كاملين، تعرضت الحقول النفطية والشركات المنتجة في إقليم كردستان لهجمات مركّزة بطائرات مسيّرة، تسقط بين وقت وآخر بشكل شبه يومي في مناطق متفرقة من الإقليم. وجاءت هذه الهجمات فيما كانت مفاوضات أربيل مع بغداد بشأن تصدير النفط ورواتب موظفي الإقليم قد وصلت إلى طريق مسدود، ما دفع مراقبين إلى الربط بين الحدثين.
بدأت هجمات الطائرات المسيّرة عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، وفي ظل أزمة سياسية ومالية بين الإقليم والحكومة الاتحادية، بعد قرار الأخيرة وقف تمويل رواتب موظفي الإقليم، ودخول الطرفين في مفاوضات فنية ومالية. ويقول مصدر سياسي كردي رفيع لـ”النهار” إن هذه المفاوضات “كانت سياسية بالدرجة الأولى، وتهدف إلى إخضاع الإقليم وإرسال رسائل واضحة بشأن استمرار النفوذ الإقليمي لإيران”.
الهجمات لم تترك أي بيئة اقتصادية آمنة في الإقليم، إذ طاولت مطاري كركوك وأربيل، ثم حقلي سرسنك في دهوك وخورمالة في أربيل، قبل أن تتصاعد لتشمل جميع الشركات العالمية المنتجة للنفط، ولاسيما الأميركية منها، في حقول “طاوكي” و”بشكابير” و”زاخو”، فضلاً عن عشرات المناطق المدنية في أربيل والسليمانية.

 

تصاعدت الهجمات لتشمل جميع الشركات العالمية المنتجة للنفط في كردستان.

 

واتهمت حكومة الإقليم رسمياً فصائل الحشد الشعبي بالوقوف وراء هذه الهجمات، ما أثار موجة رفض سياسي وإعلامي من القوى الراعية لتلك الفصائل، وبخاصة أحزاب “الإطار التنسيقي” وقياداته. وفي محاولة لتقصي الحقائق، زار مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي أربيل على رأس وفد أمني رفيع، ضمّ مسؤولين من أجهزة المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب. لكن وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد شكك في إمكان التوصل إلى نتائج حاسمة، قائلاً، في مؤتمر صحافي مشترك مع الأعرجي، إن بغداد لم تتخذ أي إجراءات رغم التوصل إلى نتائج بشأن الهجمات.
ويوضح المصدر السياسي نفسه أن توقيت هذه الهجمات يتزامن مع مساعٍ من قوى مركزية قريبة من إيران لانتزاع تنازلات سياسية من الإقليم، أو لتوجيه رسائل تحذيرية للولايات المتحدة والقوى الدولية المنخرطة في العراق، وخصوصاً في إقليم كردستان. ويشير إلى أن الأشهر الماضية شهدت تقارباً واسعاً بين الإقليم وحكومة محمد شياع السوداني، وكان الملف النفطي على وشك الحسم بما يضيف نحو 10 مليارات دولار إلى الخزينة العامة، بالتوازي مع سعي الحكومة الاتحادية إلى تحقيق توازن سياسي بين إيران والولايات المتحدة والقوى الإقليمية والدولية، وهو مسار كان سيمنح الإقليم دوراً محورياً. هذا المسار، بحسب المصدر، كان من شأنه تمهيد الطريق لانتخابات برلمانية مريحة في أواخر العام، بما يعزز حضور القوى المناوئة لـ”الإطار التنسيقي”، وهو ما لا يمكن أن تقبل به فصائل الحشد الشعبي.
من جهته، يرى الباحث والكاتب ماجد سروجي أن القوى المركزية العراقية لا يمكن أن تتعامل بهدوء مع فاعلية إقليم كردستان، لأن ذلك، برأيه، سيُنهي حالة “الاستثناء” التي تسعى هذه القوى للإبقاء عليها في العراق.
ويضيف أن “الفصائل تستمد شرعيتها من تصوير البلاد في حالة خطر دائم، وتسويق نفسها جهة حماية”، ولذلك تعمل على تكريس صورة الإقليم ككيان سياسي غير منسجم مع “هوية العراق الاستراتيجية” وتوجهاته الخارجية، خصوصاً حيال دول المنطقة. ويؤكد أن أي حكومة اتحادية تحاول تخفيف حدة التوتر مع الإقليم “ستجد نفسها في مواجهة مباشرة” مع التوجهات الاستراتيجية لهذه الفصائل.