مدفيديف يتسلم هدية من ترامب… أين سيتم استخدامها؟

يحب الإعلام نقل تصريحاته. تحديداً بسبب تهديداته على “أكس”. لكن أن يحبه الإعلام شيء، وأن يكون له تأثير على صناعة القرار في روسيا شيء مختلف تماماً.
ليس لدى الرئيس الروسي السابق دميتري مدفيديف نفوذ كبير في موسكو. للمؤرخ الروسي-البريطاني سيرغي رادشينكو تعبير قاس كتبه عنه منذ نحو ثلاثة أعوام: “لجأ (…) مدفيديف إلى خطاب إباديّ ليبقى هاماً، لكن لا أحد يأخذه على محمل الجد” في روسيا.
إنما يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب منحه أهمية خاصة. ربما لأنه يعير أهمية لما يُكتب على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد ردود متبادلة على تلك المنصات، أعلن ترامب الجمعة نشر غواصتين نوويتين أميركيتين في “المناطق المناسبة”. منذ ذلك الحين، أوقف مدفيديف تصريحاته، بالتوازي مع دعوة الكرملين للتهدئة.
هذا سبب “الانقلاب”؟
حين وصل إلى الحكم بين 2008 و2012، بعد منع الدستور بوتين من الترشح لولاية ثالثة، أيد مدفيديف تطوير العلاقات مع الغرب، ووقع مع أميركا معاهدة “ستارت” الجديدة لخفض الأسلحة النووية. يعتقد البعض أن انقلاب مدفيديف بدأ بعد خروجه من الحكم للحفاظ على ثقة الحزب الحاكم به. لكن ثمة بعض الملاحظات التي قد تخفف صلابة هذه الفرضية من دون أن تنفيها تماماً.
فموقع الرئيس السابق ظل محفوظاً إلى حد معين بعد خروجه من الرئاسة. بين 2012 و2020، شغل مدفيديف منصب رئيس الحكومة، قبل أن يحال إلى نيابة رئاسة مجلس الأمن الروسي. ويلاحَظ أن إهانات مدفيديف للغربيين ازدادت بشكل مطرد بعد غزو أوكرانيا، مما يقدم تفسيراً أبسط عن مواقفه الجديدة، وهو أنه، كسائر النخب في الكرملين التي تعتبر أوكرانيا “جزءاً تاريخياً” من روسيا، ممتعض من بطء التقدم الميداني للجيش الروسي والذي يعزوه إلى الدعم الغربي. وهو قال في آذار/مارس 2024 إن “أوكرانيا هي بالتأكيد روسية”، رداً على كتاب للرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كوشما ينفي ذلك.
وقد يكون تشدده انعكاساً للتشدد العام الذي شهده نظام الحكم في روسيا بعد الإصلاحات الدستورية سنة 2018.
ويحافظ كثر على موقعهم في السلطة الروسية من دون أن يطلقوا تصريحات استفزازية بحق الغربيين. كذلك، نفى مدفيديف سابقاً أن يكون ليبرالياً، والغزو الروسي لجورجيا خلال ولايته قد يكون مؤشراً إلى هذا الادعاء.
أين تُصرف الهديّة؟
بالرغم مما سبق، قد لا يكون موقع مدفيديف قوياً بما يكفي لضمان مستقبله السياسي، مما يستدعي هذا المستوى من التصريحات الحادة. في علاقته مع بوتين، يحتل مدفيديف “منطقة رمادية” إذ أدى دور “كبش الفداء” خلال رئاسة الحكومة حين كان الوضع الاقتصادي في روسيا يتدهور من دون أن يحصل على إشادة عندما كان الوضع يتحسن. وإضافة إلى أن مجلس الأمن الروسي ليس أقوى مؤسسة في البلاد، لا يملك شاغل العضوية فيه امتيازاً دائماً. اسألوا نيكولاي باتروشيف.
بوتين ومدفيديف في اجتماع حكومي، 2020 (أ ب)
وبعد الفيديو الشهير الذي أطلقه الناشط السابق أليكسي نافالني سنة 2017 والذي ربط مدفيديف باختلاس نحو 1.2 مليار دولار، ربما شعر الرئيس السابق بوجوب التعويض عن الضرر المعنوي الذي أصابه والذي أحرج بوتين بلا شك. وحصد الفيديو عشرات الملايين من المشاهدات بما فيها 1.5 مليون مشاهدة في 24 ساعة.
كذلك، من غير المستبعد أن يكون مدفيديف، 59 عاماً، طامحاً إلى خلافة بوتين في وقت لاحق، لكن ثمة الكثير من الأسماء الأخرى التي تتقدمه في حال أراد الرئيس الحالي اختيار خلف له.
مهما كانت الأسباب التي تقف خلف أسلوب التخاطب لدى مدفيديف، من شبه المؤكد أن قوته في موسكو محدودة. ساهم رد رئيس أعظم دولة على مدفيديف في منحه الأضواء التي يشتهيها. لكن ليس بالضرورة أن يعني ذلك المزيد من النفوذ؛ خصوصاً إذا خفض، وليس بخلاف المسؤولين الروس، التصعيد الكلامي ضد ترامب في المدى المنظور.