من النقابة المهيمنة إلى منصة الفكر الحر: هل بإمكان المثقف السوري إعادة تشكيل اتحاد الكتّاب العرب؟

من النقابة المهيمنة إلى منصة الفكر الحر: هل بإمكان المثقف السوري إعادة تشكيل اتحاد الكتّاب العرب؟

لطالما ارتبطت النقابات الثقافية في سوريا بموقع التبعية المباشرة للسلطة، حيث شكّلت جزءًا من منظومة السيطرة السياسية التي سعت إلى تطويع المثقف وتحجيم الإبداع. ومع التحولات الجذرية التي شهدتها البلاد بعد سقوط النظام، تعالت الأصوات المطالبة بإعادة النظر في دور المؤسسات الثقافية، وعلى رأسها اتحاد الكتّاب العرب، من أجل تحويلها من أدوات للوصاية الرسمية إلى منابر ديموقراطية للفكر الحر.

وفي هذا السياق، تحدث عدد من الكتّاب والصحافيين السوريين الى “النهار”، مستعرضين رؤاهم حول إمكان تحوّل الاتحاد إلى مؤسسة فاعلة ومستقلة، وشروط ذلك، والمهمات الجديدة الملقاة على عاتق المثقفين داخله.

مساحة للحرية الخضراء
صرّح الدكتور محمد الحوراني، رئيس اتحاد الكتّاب العرب في سوريا، (سابقاً)  لـ”النهار”: “بداية لابد من التمييز بين حالتين، أن يكون الاتحاد أداة من أدوات السلطة، بكل ما تعنيه السلطة من فرض وقهر واستبداد، وبين أن يكون جزءًا من المؤسسات العاملة في البلد والتي تسري عليها أنظمة البلد الموجودة فيه وقوانينه.

صحيح أن السلطة تحاول في كل زمان ومكان أن تتحكم بالمثقف وتنتعله، وبخاصة عندما يكون صادقًا وفاعلًا وصاحب رأي مسموع، إلا أن السؤال الملح هو: ما الذي يدفع المثقف إلى أن يكون أداة من أدوات السلطة؟ إنه الفقر والتبعية والظلم الذي يمكن أن يُمارس عليه، وهو ما يحدث في المؤسسات الثقافية ومنها اتحاد الكتّاب.

إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه مجددًا هو: هل كان الاتحاد تابعًا للسلطة بشكل مطلق؟ لا على الإطلاق. ولكنه اليوم مطالب بأن يكون مساحة للحرية الخضراء التي ينمو فيها الإبداع بكل مسؤولية، وهذا يحتاج إلى فعل صادق وسلوك بعيد من الارتهان والشللية والتبعية، كما يحتاج إلى التخلص من العقلية المافيوية المقيدة للإبداع والتي تعوم فريقًا على حساب فريق آخر يمتلك الكثير من المقومات الإبداعية، عندما يُفسح المجال له ويشعر بالأمان الإبداعي بعيدًا من القيود السلطوية وسيوف الرقابة الدموية”.

دور الكاتب والأديب والمثقف يجب أن يكون بحجم التحديات
وأضاف الحوراني لـ”النهار”: “لعل أهم ما يحتاجه العمل المؤسساتي هو التحلي بالروح النقابية، وإفساح المجال أمام جميع المبدعين والكتّاب الحقيقيين للمشاركة في تطوير آليات وعمل الاتحاد وعمله ونظامه الداخلي، وهو النظام الضابط لعمله”.

ويؤكد “أن الحرية والمسؤولية الأدبية تعنيان أن يكون الجميع مشاركين في بناء الوعي وإعمار العقل بعيدًا من الطائفية والعرقية والمذهبية، وإعادة ترميم الهوية بطريقة وطنية صادقة تخلّصها من آثام التشويه والقتل التي أُلصقت بها وحوّلتها إلى ‘هويات قاتلة’ وفق تعبير أمين معلوف، خصوصاً أن المرحلة التي تمر بها سوريا والمنطقة هي من أخطر المراحل في تاريخنا، وبالتالي فإن دور الكاتب والأديب والمثقف يجب أن يكون بحجم التحديات التي تواجه بلده وشعبه”.

“بعد سقوط النظام فوجئنا بالاستيلاء على النقابات”
في المقابل، أعرب الصحافي زيد قطريب، في حديث الى “النهار”، عن تشاؤمه من واقع النقابات السورية ما بعد النظام، قائلًا: “قبل 8 كانون الأولديسمبر 2024، كان حزب البعث، يتحكم بانتخابات النقابات ‘الشكلية’، ويعيّن رؤساءها وأعضاء قيادتها، وبعد الثورة وسقوط النظام، فوجئنا بالاستيلاء على النقابات، من طريق “تعيين” مسؤولين جدد لكل نقابة، وكنا ننتظر أن يتم ذلك عبر “الانتخاب” والتنافس الديموقراطي.

 

اتحاد الكتّاب العرب. (فايسبوك)

 

هكذا حصل في اتحاد الصحافيين واتحاد الفنانين التشكيليين واتحاد الكتّاب العرب!
للنقابات العربية سمعة سيئة تاريخيًا، فهي بالنهاية، جزء من المنظومة الاجتماعية والسياسية السلطوية. وربما أسوأ النقابات، هي تلك المختصة بالفنون الإبداعية، مثل الكتابة أو الرسم أو الإعلام وغيرها. فالإبداع يغرد في واد مختلف عن فضاء تلك الدوائر الغارقة غالبًا بالفساد والعطالة وعدم القدرة على تقديم إنجاز يستحق لأعضائها!

المبدع يفرّ من أطواق النقابات
ويتابع: “من المبكر جدًا الحديث عن دور ديموقراطي للنقابات السورية. فحتى اليوم ورغم سقوط النظام، هناك نقابات موازية للنقابات الرسمية، وهو ما يؤكد حالة عدم الرضا عن أداء تلك المؤسسات للآن”. ففي التشكيل والإعلام والأدب والفنون، تبرز تلك الحالة بشكل واضح في سوريا، بسبب فقدان الثقة بالمؤسسات طوال 50 عامًا، من أداء النقابات السلطوي، عدا صفقات الفساد المشبوهة التي رافقت مسيرة معظمها.

ويقول أيضاً: “ربما من أسوأ الأمور، أن نضع المبدع ضمن نقابة! سواء تحدثنا عن الشعر والأدب، أم التشكيل والصحافة والتمثيل. فالمبدعون يفرّون من أطواق النقابات، ويرون فيها تربة خصبة للفساد والشبهة”.

و يختم: “في كل الأحوال، لنا أن نتخيل ماذا يمكن أن تقدمه النقابة، الى شاعر يكتب قصيدة النثر مثلًا؟ هل ستقنعه بالشعر العمودي، باعتبارها مؤسسة ماضوية؟،أم ستحصّل منه اشتراكات شهرية، وتخصه بالنهاية بتقاعد يثير الشفقة، بحيث يبلغ تقاعد الصحافي السوري مثلًا 3 دولارات في الشهر!”.

التنوع يفترض مؤسسة قوية
وفي السياق ذاته، قال حسن قنطار، مدير تحرير مجلة “الأسبوع الأدبي” الصادرة عن اتحاد الكتّاب، لـ”النهار”: “وجود المثقف والأديب في اتحاد الكتّاب، أو غيره من المؤسسات الثقافية، يجب أن يكون حاميًا له من أي غبن يمكن أن يصيبه بسبب مواقفه وآرائه الجريئة، ولهذا اشتغلنا في المرحلة  السابقة على الوقوف إلى جانب الكاتب والمبدع ضد ما يمكن أن يتعرض له من ظلم على أيدي السلطة وأجهزتها الأمنية، ورفعنا الظلم عن عدد كبير منهم، وهذا ما يجب أن يستمر ويكون أكثر قوة وصلابة في أيامنا هذه”.

فالإبداع  بالنسبة  الى قنطار “لا يمكن أن ينمو ويزدهر إلا بمزيد من الحرية والديموقراطية، والفعل المؤسس على احترام الآخر أيًا يكن دينه ومعتقده وإبداعه، فالنص هو الفيصل. وبقدر ما يكون التنوع موجودًا في اتحاد الكتّاب عمومًا، وفي المشهد الثقافي على وجه الخصوص، تكون المؤسسة قوية ومتماسكة ومحصنة من أي نوع من أنواع الاختراق السلطوي”.

تكشف الآراء التي استعرضتها “النهار” عن انقسام واضح في النظرة إلى واقع الاتحاد وآفاق تحوّله، لكن المؤكد أن الطريق نحو بناء مؤسسة ثقافية حرّة ومستقلة يمرّ عبر إرادة المثقفين أنفسهم، وشجاعتهم في تجاوز إرث الوصاية، وطرح خطاب جديد يؤمن بالتعدد والحرية والنقد. وحده الاتحاد الذي يحترم الاختلاف ويحتفي بالابداع، سيكون منبرًا حقيقيًا لسوريا الجديدة.