وجدي معوّض يقدم جولييت بينوش في عرض فريد على المسرح اليوناني

تعود الأوسكاريّة جولييت بينوش إلى المسرح في “قسَم أوروبا”، مسرحية جديدة من تأليف وإخراج اللبناني – الكندي وجدي معوّض، تمنح صوتاً معاصراً للثيمات المستلهمة من التراجيديا الإغريقية القديمة.
من خلال استكشافه صراعات العائلة، وقضايا النوع الاجتماعي، وتجربة المنفى، والسعي نحو الخلاص، يلامس عمل معوّض جوهر الدراما الكلاسيكية بعمق بالغ. وبأداء متعدّد اللغات – الفرنسية، الإنكليزية، اليونانية، والروسية – يُنظر إلى العرض كأبرز أحداث الموسم المسرحي في مهرجان أثينا-إبيداوروس.
جولييت بينوش في المسرحية. (ثيوفيلوس تسيماس)
بُني المسرح في القرن الرابع قبل الميلاد، ويُعتبر المسرح اليوناني الأفضل حفظاً حتى اليوم. وتُعدّ خصائصه الصوتية استثنائية، إذ يمكن للمشاهدين الجالسين في أعلى مدرّجات المدرّج المفتوح أن يسمعوا صوت قطعة نقدية تسقط على الخشبة. وقد اتّخذ أكثر من عشرة آلاف مشاهد مقاعدهم خلال المسرحية على المدرّجات الحجرية نفسها التي كانت تستقبل المتفرّجين في زمن اليونان القديمة.
في الإطار الساحر للمسرح الإغريقي، أخذت المسرحية الجماعية الجمهور في مأساة تطهيريّة تُلامس حكاياتنا الشخصية وتُجاري مصائب زمننا المعاصر.
وجدي معوّض خلال التحضيرات. (مهرجان أثينا-إبيداوروس)
تُجسَّد “أوروبا” كطفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات، تشهد مجزرة ارتكبها قومها. وبعد مرور خمسة وسبعين عاماً أمضتها محرومة من السعادة وفاءً لقسمٍ قطعته لأخيها، تتلقّى اتصالاً من محقّقة تابعة للأمم المتحدة، إذ تُعدّ الناجية الوحيدة من تلك الحقبة.
ترجع بينوش إلى المسرح بعد عقد على عرض “أنتيغون” (إخراج إيفو فان هوفه)، لتؤدي دوراً ثقيلاً ومكثّفاً، وإن كان ثانوياً، في مسرحية تستلهم التراجيديا الإغريقية وتُعيد تأويلها من منظور معاصر.
جولييت بينوش في المسرحية. (ثيوفيلوس تسيماس)
تخيّل معوّض عرضاً مسرحياً مبسّطاً ومجزّأً، يتلاءم مع خصوصيات مسرح إبيداوروس: زمنٌ محدود (ساعتان و15 دقيقة من دون استراحة)، خشبةٌ واسعة، وممثلون ثابتو الحركة… النص مبنيّ ليكون في آنٍ واحد شعرياً ومتشظّياً، كمركّبٍ من الذكريات والأزمنة المتداخلة. أما الجماليات المسرحية، فتجمع بين أضواء حمراء دامية، ولعبة الظل والنور، ومشاهد راقصة.
في العرضَيْن (الأول والثاني من آب/أغسطس)، جسّدت بينوش شخصية أمّ ممزّقة، تواجه عنف ابنها وثقل الحبّ الأمومي، وحضورها يُضيء العرض الجماعي. وقد قالت مجلة “تيليراما” إنّها “أضفت قدراً كبيراً من الشحنة العاطفية على دور الأم الممزّقة”، مجسّدة شخصية متأرجحة، حسّاسة، ومنخرطة في فعل استعادة الذاكرة والتكفير المسرحي.
وجدي معوّض وجولييت بينوش. (مهرجان أثينا-إبيداوروس)
يأتي العمل ضمن سلسلة “القدماء المعاصرون”، حيث يُعيد كتّاب مسرحيون معاصرون استحضار الأساطير الكلاسيكية في حوار حيّ مع التراجيديا الإغريقية؛ وفي هذه الحالة، يُعاد تأويل أسطورة “أوروبا” الفينيقية لطرح أسئلة حول العنف، والتوارث، والذنب الجماعي.