4 أغسطس 2025 | النهار

في مقدورنا في مستطاعنا أنْ تتكرّر كلّ يوم، وفي تمام الساعة السادسة وسبع دقائق من كلّ مساء، فجيعة الرابع من آب 2020.
وأنْ تقع. وبالحذافير. وبالجرائم ولا استثناء. وبالأرقام. وبالوثائق. وبالضحايا. وبالأوجاع. وبالكوابيس. وبرباطة الجأش. وبالدم البارد. وبالخيال الكالح جميعه. وبالوقاحة المتمادية. وبالصفاقة. ولا شيء يمنع أو يحول. ولا أحد يردع. ولا قانون. ولا دولة القانون. ولا البيان الوزاريّ. ولا خطاب القسم الجمهوريّ. ولا العدالة. ولا القضاء. ولا أيضًا القضاء والقدر.
ففي مقدورنا ومستطاعنا أنْ نهدّد والآن وغدًا وبعد. وبعد بعد غدٍ وغد. وأنْ نرهّب. وأنْ نستبيح. وأنْ نغتصب. وأنْ ننهب. وأنْ نرتكب. وأنْ ندمّر. وأنْ نقتل. وأنْ ننحر. وأنْ ننتحر. وأنْ نُجبَر على الانتحار والنحر. وأنْ نفوز بقصب السبق. وأنْ ننتزع الرقم القياسيّ والأرقام القياسيّة. وأنْ نحصل على البراءات والشهادات، وعلى شهادة “غينيس”، وعلى كلّ “غينيس”. وعلى الشهادة في التلوّث. وفي التعاسة. وفي الميلانكوليا. وفي العبث. وفي العدم. وفي الهباء. وفي اللّاجدوى. وفي الدموع المسفوكة. كما في الدماء التي تذهب إهدارًا. وفي البيوت المكسورة الخاطر. وفي النوافذ المتّشحة بالسواد. وفي الدموع المبحلقة في اللّاشيء. وفي العصافير المذبوحة في هوائها الطلق. وفي العيون المسبلة. وفي الموت. وضدّ الحياة. وضدّ الحياة ومرارًا وتكرارًا وبلا هوادة وإلى آخر الدهر.
في مقدورنا وفي مستطاعنا أنْ وأنْ وأنْ…
العلم اللبناني أمام مرفأ بيروت (نبيل اسماعيل).
ومَن لم يصدّق ففي مقدوره وفي مستطاعه أنْ يجرّب. وأنْ يعاود الكرّة حيث يشاء ومتى يشاء: في الخيال، وفي الحلم، وفي الواقع، وعلى أرض الوقيعة والواقع، وفي التخييل، وفي الذكاء الافتراضيّ، وفي البور، أي المرفأ، وفي المطار، وفي وسط العاصمة، وفي ساحة رياض الصلح، وفي ساحة الشهداء، وفي السرايا لا سيّما. وفي القصر الجمهوريّ خصوصًا وأيضًا ودائمًا. وفي ساحة النجمة وعلى رأس السطح وعلى عينكَ يا تاجر، يا فاجر، وهناك يسمّونه “سيّد نفسه”، وموضع السلطة التشريعيّة، ويُدعى أيضًا مجلس العار أو مجلس الرذيلة أو مجلس النوّاب، سيّان ولا فرق. وفي المستطاع ولا شكّ في الجنوب. وفي البقاع. وفي جبل لبنان بيسراه ويمناه، وبجبله والساحل. وفي الشمال بطرابلسه وعكّاره والأقضية. وفي البقاع جميعه، الغربيّ والأوسط والشماليّ وأيضًا الشرقيّ، وحيث تدعو الحاجة.
وفي العاصمة.
ومَن لم يصدّق ففي مقدوره وفي مستطاعه أنْ يتثبّت ويتأكّد بنفسه ويحصل على البرهان، إنْ بوضع اليد في موضع الجروح، وحيث الطعنة، وحيث الكأس المرّة، وحيث إكليل الشوك، وحيث الطريق المفضي إلى رسوّ السفن، إلى الجلجلة، وإلى كلّ جلجلة، وليس في لبنان كلّه من مرقد عنزة ومن مَوضع ومن ملجأ إلّا ما يوازي طريق الصلب على خشبة، وقهرًا، ويأسًا، وانعدام أفقٍ وأملٍ ومصير.
وما سبق، هو جميعه، وسواه كثيرٌ كثيرٌ كثير، طريق الرابع من آب، وفي تمام الساعة السادسة وسبع دقائق مساءً من العام 2020، ومن كلّ عام، ومن كلّ يومٍ وعام، ومَن لا يصدّق ففي مقدوره أنْ يجرّب، وفي يقينه ويقيننا أنّه لن يعود خائبًا.
إسألوا تجدوا. إقرعوا تُفتَح لكم الأبواب. وليس من بابٍ وأبوابٍ في لبنان سوى باب الرابع من آب.
وهذا كلّه، وسواه، رغمًا منّي، وغصبًا عنّي، وعن كثيراتٍ وكثيرين. والسلام.