فوائد وأهمية الاسترخاء في عالم الفن

شكرا زياد!!
وأخيرًا نطق الناس باسم الفلسفة من دون إرادة ووعي منهم،عرفوا أنّها فنّ إبداع المفاهيم والنظر في عمق الموجودات والعلم بحقائق الأشياء ومحاولة فهم لحقيقة العالم وقيمة الإنسان وأخلاقه…
كما هو معلوم أنّ الفلسفة تضيء على رمزيّة معاني السخرية والعبثيّة وروح الخفّة والمرح على اعتبار أنّ هذه المفاهيم قد تكون بمثابة إشارات وتنبيهات لالتقاط معاني الحكمة الحقيقيّة القائمة على رصد الأحداث ومعاينة الوقائع المتهادية على وقع الصير التاريخي وانزياحاته. وما التاريخ سوى الوصف لسرديّة الملاقاة للإرادة الكونيّة مع الردّ الكينونيّ القائم في عمق تجليّات الحدث الراهن. والفلسفة كفعل اعتمال للفكر النقدي الحرّ تتمثّل بنقل ثقل حمولة الأفكار إلى عدّة حقول معرفيّة ومن أهمّها الفن. والفنّ بدوره يمنحنا دلالة أنطولوجيّة تتحوّل إلى شجى مشحون بإحساس الفنان المسجون بأقدار الناس وأحزانهم وأحوالهم.
ألم يُقل؟ ويل للشجيّ من الخليّ أو بتعبير آخر “ويل للهموم ممّن لا همّ له”، هذا هو حضور زياد الشجين (حزين ومهموم) القائم في عمق بساطة الفلسفة التي انتهجها في مسلكه الحياتي وفي براعته الفنيّة.
زياد الرحباني بريشة منصور الهبر.
زياد كان محصّنًا بحسّ الموهبة التي منعته من السقوط، وبسرّ الإبداع الذي أبعده عن الزحف والمسايرة… وقد حوّل المدركات الحسيّة إلى مدركات ماهويّة، فأثمر العمل الفني نتاجه في حدث تأويليّ تحدّث بذاته عن دواخله المنحجبة في الظهور المختفي. هذا الارتباط بالحدث هو نموذج فنيّ هادف جدًّا وزياد كان حريصُا على تفريغه وتفعيله ب إرادة الكرامة. هذه الإرادة التي لا تتضخّم لسحق الآخر في الفنّ مع أنّه سحقه، ولا تُسحق في ظلّ الرغبات الجارفة والتدفّق النقدي التفاضلي، بل تنبسط في الزهد المنسلّ في كلّ السياقات المتخفّية وراء صور الهزل وكأنّه يؤكد على تعريف أينشتاين للتفكير بأنّه “لعب إرادي بالمفاهيم” وعلى هذه الفضيلة الأرسطيّة فضيلة الاسترخاء اليوترابيلية ( (eutrapélieالتي تعني فطنة الفكاهة اللطيفة.
قد يكون من أولى مقاصد الفنّ حدوث الحقيقة وإظهار وقائع من الراهن الوجودي على حدّ قول الفيلسوف هايدغر، و أيضًا حدوث الحقيقة الذي يتوقّف عند حدوث اللاحقيقة، فالأغاني التي نستدلّ منها على الراحة والاسترخاء عنده ما هي إلا التكوين التفوّقي (suprématisme) للشعور الصادق من ناحية إعادة ابتكار جذريّة للفراغ أو للشيء الذي لا نعتبره مهمًّا، وتأتي دلالات هذا الشعور تعبيرًا عن عدم الالتزام أو التحرّر من كلّ القيود إلى حدّ تغييب هويّة الموضوع والوصول إلى حدّ اللاشيء، وهذا الأمر يجعلنا نفكّر بدورنا في هذا اللاشيء كيفما نريد ومن أي زاوية معرفيّة معيّنة ، قد يفيد ذلك بانتصار فلسفة البساطة على كلّ المفاهيم. هذه الفلسفة الفنيّة الوجوديّة المبثوثة في روح عامّة كونيّة مستقلة عن جغرافيّة المكان وصيرورة الزمان، وهنا تكمن أهميّة قوة العقل الفردي القائمة على توحيد التنوّع وكأنّما هي قوة عقل كلي. وفي معضلة الإبداع هذه ينضمّ الإنسان إلى مدى أوسع من الذات فيصبح صدى لصوت الذاكرة الجماعيّة. وهذه القوّة الإبداعيّة القوة غير الشخصيّة الثاوية في عمق الباطن هي صميم الذات وفي الوقت نفسه ليست هي الذات نفسها. وهنا تكمن تجليات مفهوم التفرّد الغائر في ديناميّات الإبداع التي تستنفذ العالم في ذاتها، وتبدّد الذات في ثناياه. يبقى أن نقول أنّ تجربة الغياب التي نعيشها بعد موت زياد تبقى في صيغة سؤال مفتوح على إحياء الأشياء التي تحضر من خلال غياب نقيضها.