أسباب خفية وراء زيارة بزشكيان إلى باكستان

تُعدّ الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى باكستان في الثاني والثالث من آب/ أغسطس الجاري، واستمرت يومين، زيارة ديبلوماسية غير تقليدية من حيث الشكل والمضمون. فعلى رغم أن رفع مستوى العلاقات الاقتصادية بين إيران، ذات الـ90 مليون شخص، وباكستان، ذات الـ250 مليوناً، إلى 10 مليارات دولار، يشكل سبباً وجيهاً لهذه الزيارة، فإنها تحمل في طياتها دلالات أعمق.
وتقترب طهران وإسلام آباد من الذكرى الثامنة والسبعين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بينهما، وهي علاقة شهدت تقلبات متعددة مدى العقود الماضية. غير أن أهمية هذه الزيارة ترتبط بالأحداث التي أعقبت الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران.
بزشكيان، الذي يزور باكستان للمرة الأولى بصفته رئيساً للجمهورية، أشار عند مغادرته طهران إلى دعم باكستان للوحدة الترابية لإيران وإعلانها التضامن الشامل معها، معرباً عن امتنانه لمواقف إسلام آباد خلال الحرب. وأوضح أن الزيارة تهدف أيضاً إلى التعبير عن الشكر الرسمي. وقد جاء استقبال رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف له في مطار إسلام آباد، واحتضانه له، بمثابة إشارة رمزية لتقارب العلاقات، خصوصاً أن البروتوكولات الباكستانية المعتادة تنص على استقبال الوفود الأجنبية في القصر الرئاسي، دون لزوم حضور رئيس الوزراء شخصياً إلى المطار.
شريف مستقبلاً بزشكيان في مطار إسلام آباد. (أ ف ب)
قبل 18 يوماً من الهجوم الإسرائيلي على إيران، زار شهباز شريف برفقة قائد الجيش عاصم منير طهران في زيارة قصيرة استمرت يوماً واحداً، والتقيا المرشد الأعلى علي خامنئي وبزشكيان. ورغم غياب تفاصيل رسمية عن المحادثات، تبيّن لاحقاً أن باكستان كانت بين خمس دول أبلغت طهران معلومات عن هجوم إسرائيلي وشيك. ونظراً الى أن الولايات المتحدة كانت الجهة الوحيدة التي تملك هذه المعلومات، يُرجح أنها نقلتها إلى دول على صلة بإيران، ومنها باكستان، في إطار تبادل استخباري.
وعلى عكس الانطباع السائد أن إيران فوجئت بالهجوم، أكد مصدر مطلع أن القوات المسلحة الإيرانية كانت في حالة تأهب قصوى قبل أيام من الضربة، وإن لم يكن هناك توافق على التوقيت الدقيق أو الأهداف المحددة. ومع ذلك، لم تكن طهران تتوقع طبيعة الهجمات على دفاعاتها الجوية، ولا استخدام عملاء داخل البلاد للتنسيق مع الطائرات الإسرائيلية.
لافتة ترحيبية بالرئيس الإيراني في باكستان. (أ ف ب)
لم يقتصر التعاون الباكستاني على تبادل المعلومات. فبعد الهجوم، كانت باكستان من أوائل الدول التي أدانته وأعلنت دعمها لإيران. وتحدثت تقارير غير رسمية عن استعداد وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف لإرسال 750 صاروخاً بعيد المدى من طراز “شاهين” إلى إيران، وهو ما نفته إسلام آباد لاحقاً. كما وصف آصف، في موقف غير مسبوق، المعارض الإيراني رضا بهلوي، الذي أيد الهجوم الإسرائيلي، بأنه “مثير للاشمئزاز” و”طفيلي” و”إمبريالي”.
في 15 حزيران/ يونيو، أصدر مجلس الشيوخ الباكستاني بياناً رسمياً يدين العدوان الإسرائيلي، فيما أجرى شهباز شريف اتصالاً هاتفياً ببزشكيان، ودعا وزير الدفاع الباكستاني الدول الإسلامية إلى التوحد دعماً لإيران ومعارضة لإسرائيل. كما أعرب الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري عن دعمه لطهران.
ومن الإجراءات البارزة الأخرى، التعاون الاستخباراتي بين البلدين في إحباط مخطط إرهابي لجماعة “جيش العدل” في جنوب شرق إيران، بالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي، وهو ما تناولته “النهار” في تقرير سابق.
كذلك، لعبت باكستان دوراً مؤثراً في وقف الحرب. فمع تصاعد الضربات الجوية الإسرائيلية والردود الصاروخية الإيرانية، ارتفعت المخاوف من امتداد الصراع إلى دول الخليج العربية، خصوصاً بعد تهديدات إسرائيلية باغتيال خامنئي واستهداف اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وفي ظل تحذيرات غير رسمية من أن القواعد الأميركية في الخليج ستكون هدفاً في حال تنفيذ هذه التهديدات، دعت باكستان، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع السعودية ودول الخليج، إيران إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد. ويُعتقد أن زيارة وزير الدفاع الباكستاني إلى مقر القيادة المركزية الأميركية في فلوريدا، والاتصالات بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظيره الباكستاني محمد إسحاق دار، جاءت في هذا الإطار.
وتُعد زيارة بزشكيان الأخيرة اللقاء الرسمي الخامس بين قادة البلدين خلال عام، في مؤشر على متانة العلاقات الثنائية. ويكتسب هذا التقارب أهمية خاصة في ظل تطورات العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة، إذ يرى بعض المحللين أن إسلام آباد، التي تجمعها علاقات متينة مع طهران، وحسّنت علاقاتها مع واشنطن أخيراً، قد تضطلع بدور أكبر في تخفيف التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه العلاقات بين طهران وواشنطن تدهوراً كبيراً على خلفية الهجوم الإسرائيلي والغارات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، فيما ترفض إيران حتى الآن استئناف المفاوضات، ويتبنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطاباً متشدداً حيالها.