جهود السعودية لتحقيق وحدة واستقرار سوريا

جهود السعودية لتحقيق وحدة واستقرار سوريا

منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، برز زخم سعودي واضحٌ حيال سوريا، يتخذ أشكالاً متنوعة في الدعم: إنسانياً، سياسياً، أمنياً، واقتصادياً، مبنيٌ على اقتناع لدى الرياض بأن وجود الفراغ في دمشق سيؤدي إلى تحولها “دولة فاشلة”، ما يجعل الكيان السوري بكلّه مهدداً بالفوضى والتقسيم على أسس عرقية وطائفية!
من هنا، فإن زيارة الوفد السعودي الرفيع المستوى بتوجيه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للعاصمة السورية دمشق، في 23 تموز/يوليو 2025، برئاسة وزير الاستثمار خالد الفالح، ليست مجرد خطوة ديبلوماسية أو اقتصادية عابرة، بل تمثل استمرارية للعقيدة السياسية للمملكة، التي ترتكز على التفاهم والتعاون والعمل الاستباقي.

الوفد الذي ضم أكثر من 130 رجل أعمال ومستثمر سعودي، وصل إلى سوريا في ظروف أمنية معقدة، عقب الاشتباكات الدامية في محافظة السويداء، وما شابها من توترات طائفية راح ضحيتها عدد من المدنيين الأبرياء، وتزامنت مع ضربات عسكرية إسرائيلية على وزارة الدفاع السورية ومواقع أخرى.
وبينما تبقى التحديات كبيرة أمنياً واقتصادياً، قد تمهد الإرادة السعودية السياسية الواضحة الطريق نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والبناء في سوريا، خصوصاً أن الرياض مهتمة بشكل كبير بعدم وجود فراغ سياسي في دمشق، وبأن تكون هناك عملية سياسية ناجحة تحفظ الدولة السورية من الانهيار، وتمنع تحولها إلى ساحة للميليشيات المسلحة.

السعودية، بما تمارسه من ديبلوماسية نشطة أقنعت الإدارة الأميركية برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ودفعت نحو انخراط النظام الجديد في دمشق ضمن محيطه العربي، ومن هنا تبدو الرياض في موقع مثالي لقيادة هذا التحول التدريجي، ليس لمصلحة سوريا فحسب، بل أيضاً لإعادة صوغ النظام الإقليمي بأكمله على أسس صلبة!

هذا التوجه السعودي في السياسة الخارجية، يراد منه ألا تكون سوريا ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية، وأحد البوابات الرئيسة للحد من الصراعات، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وأن تكون هنالك بنية تحتية تتيح لهم الحصول على الخدمات الضرورية اليومية: الصحة، التعليم، المواصلات، الاتصالات… وسواها؛ إضافة إلى قدرة الحكومة على الحد من التضخم وغلاء الأسعار والبطالة.

إجمال الاستثمارات السعودية المعلن عنها حديثاً في سوريا بلغ نحو 6 مليارات دولار، خلال المؤتمر الذي عقد في تموز 2025، مقارنة بـ 2.8 مليار دولار قبل عام 2011.


هذا الانخراط السعودي السياسي والاقتصادي يهدف إلى تعديل التوازنات، من دون صدام مباشر مع الحلفاء التقليديين السابقين لنظام بشار الأسد، كإيران وروسيا، ومن دون الدخول في صراع حادٍ مع جيران لهم مصالح في سوريا كتركيا وإسرائيل. 

إعادة إعمار سوريا، هي الهدف الأهم في المرحلة المقبلة، وتوفير بيئة مدنية مستقرة يحكمها القانون العادل، تحتكر فيها الدولة السلاح، وتمارس فيها الحكومة الإدارة بعيداً من المحاصصة الطائفية والعرقية، كل ذلك سيجعل المستثمرين يثقون بالسوق السورية، ويتشجعون على القدوم.
الحكومة السورية تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة، في الحد من الميليشيات المسلحة وإنهاء النزاعات الطائفية والإثنية والتجاوزات حيال المدنيين، والدخول في حوار عملي شفاف يقود إلى بناء هوية وطنية جامعة يشعر جميع السوريين أنهم جزء منها.

 


السعودية قامت وتقوم بأدوارٍ إيجابية كبيرة نحو سوريا وأمنها واستقرارها ونجاح التجربة الجديدة فيها، إلا أن تحقيق فوائد هذه “الاتفاقات التجارية” يبقى مرتبطاً بتحقيق الاستقرار الداخلي، وتأمين بيئة شفافة، وإشراك المجتمع المدني السوري في المراقبة والتنفيذ، لكي يكون أيضاً المستثمرون المحليون والمواطنون جزءاً من عملية الإصلاح وبناء الدولة المدنية.