من المسؤول عن تدمير إيران.. لا أحد يتحمل اللوم!

عقب خسارة مرشحهم الإصلاحي مير حسين موسوي عام 2009، كانت انتفاضة شباب الحركة الخضراء في إيران محاولةٌ سلمية من الجيل الجديد لإصلاح ما أفسده جيل ثورة 1979، أو تعديل المسار بما يُلبي تطلعات هؤلاء الشباب نحو المستقبل، بخاصة أن الولاية الأولى للرئيس محمود أحمدي نجاد (2005)، كانت بداية لمشروع هيمنة التيار المحافظ والمتشدد على أركان الدولة الإيرانية، كما شهدت انتكاسة في الحوار مع العالم الخارجي وترسيخاً أكثر لمفاهيم السلطة الدينية وأدبيات نظام ولاية الفقيه، إذ ربط الرئيس الشعبوي بين أهمية البرنامج النووي وظهور دولة المهدي المنتظر التي هي دولة العدالة في الأدبيات الشيعية. وقد أدتْ سياسته هذه إلى مواجهة بلاده أقسى عقوبات دولية وغربية أضرتْ بحياة الإيرانيين وعزلتْهم عن العالم.
حكومة بزشكيان طوق نجاة
وبمجيء الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، في 28 تموز/يوليو 2024، استعاد الشباب الإيراني قدراً من الثقة بعدما عزف عن المشاركة السياسية بعد مجيء الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي، في 3 آب/أغسطس 2021، والذي رسختْ ولايته سياسة تهميش الإصلاحيين وتشويههم والعداء مع الجيل الجديد باسم حماية قيم الجمهورية الإسلامية.
وإن كان بزشكيان يسعى إلى إصلاح إرث المحافظين، لكنه أيضاً فضل عدم الدخول في صدام معهم، فأعلن عن سياسة “الوفاق الوطني”، وهدفه طمأنتهم. لكنه أيضاً تصدى لتفعيل قانونهم “العفاف والحجاب”، خشيةً من إثارة غضب الشارع في ظل أوقات عصيبة تمر بها البلاد، وهو ما كان بمثابة طوق نجاة للجميع، إذ لم ينسق الشباب لخطة الانقلاب على النظام التي رسمتها إسرائيل وقت عدوانها على الأراضي الإيرانية، الأمر الذي شجع بزشكيان على استكمال سياسة الحوار الوطني، حتى أنه أرسل مبعوثه إلى الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي، تمهيداً لرفع الحصار عنه. وهدفه الأكبر هو تعزيز الجبهة الداخلية بإقناع النظام بالإفراج عن سجناء الرأي وكذلك إخراس ألسنة المتشددين الذين لطالما وصموا الإصلاحيين بالفتنة! وفي هدف أبعد، استقطاب الإيرانيين في الخارج الذين يشكلون قاعدة كبيرة للمعارضة!
سياسة العصا في العجلة
وبعد مرور عام على حكومة بزشكيان الإصلاحية، لم يتقن الجناح المتشدد كما هو مألوف عنه في أي بلد، سياسةً أفضل من وضع “العصا في العجلة”، إذ بينما يحذر إصلاحيون من تكرار السياسة نفسها التي عَرّضتْ سلامة الأراضي الإيرانية للخطر إذا ما تمت إعادة فرض العقوبات الدولية، كانت ردود الجناح الذي يرفض المفاوضات مع الغرب، أن إيران لطالما اعتادت على تلك العقوبات وكذلك المعارك والضربات العسكرية، وذلك دون أي اعتبار من جانبهم لكون الأجيال الجديدة لم تعش أيام الثورة ولا ويلات الحرب مع العراق، وبالتالي هي تتوق إلى التغيير ومواكبة التحولات الجارية في محيطها. بل ذهب المحافظون إلى إزاحة التهمة عن أنفسهم، بأنهم لم يجلبوا الخراب لإيران، متهمين الإصلاحيين بذلك، فأشاعوا على منصاتهم أن أنصار بزشكيان الذين حذروا خلال حملته الانتخابية من خطورة خسارته على أمن إيران وسلامة أراضيها، بدأ رئيسهم الفائز ولايته باجتماع بالأمن القومي لبحث اغتيال زعيم حركة “حماس” إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية، وأن انتخابه الذي بعث برسالة سلام إلى المنطقة والعالم كما توهم أنصاره، قد جلبَ الحرب إلى إيران، بعدما شعر الغرب أنها ضعيفة لا تملك سوى المسار الديبلوماسي، إذ روّج الإصلاحيون لذلك باسم استراتيجية تجنب “فخ الحرب”، معتقدين أن جهود إسرائيل هدفها تخريب مساعي طهران للانفتاح على العالم الخارجي.