الذكرى الخامسة لانفجار المرفأ: الحقائق المعلقة تبرز توترًا أميركيًا قبل اجتماع الحكومة دون مقاطعة

تشهد بيروت وعبرها المناطق اللبنانية لحظات مفعمة بالمشاعر والانفعالات المضطربة، نظراً إلى تشابك حلول الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت اليوم الاثنين وتزامن الذكرى مع العدّ العكسي الذي يعيش عليه لبنان لجلسة مفصلية سيعقدها مجلس الوزراء غداً الثلاثاء لحسم الملف الأخطر المتصل بحصرية السلاح بيد الدولة، أي ما ترجمته سحب سلاح “حزب الله” في المقام الأول. وازداد الوضع غموضاً بعدما تضاربت المعطيات حيال الموقف الذي سيتخذه وزراء الثنائي الشيعي في الجلسة حتى لو حضروا ولم يقاطعوا، في حال إصرار الغالبية الوزارية على استصدار قرار واضح وحاسم ببرمجة زمنية لتسليم “حزب الله” سلاحه إلى الدولة. كما دخل عامل تسخين إضافي تمثل في تبلّغ لبنان رسالة أميركية جديدة تتضمن صيغة معدلة نهائية لورقة الموفد الأميركي توم برّاك وتتسم بالتشدد في موضوع نزع سلاح “حزب الله”.
وخلال ساعات ما قبل ظهر أمس، تعمّد “الثنائي الشيعي” بث أجواء إيجابية مفادها أن وزراءهما سيشاركون في جلسة الحكومة المقررة بعد ظهر غد الثلثاء في قصر بعبدا، وهو ما بدّد أجواء ومناخات مغايرة لما كان الثنائي قد تعمّد تسريبها وضخها صبيحة السبت، وجوهرها أن وزراء الثنائي قد يقاطعون جلسة الحكومة إذا لم يتم التوصل قبل موعد انعقادها إلى صيغة تسوية في موضوع السلاح تكون موضع رضاه.
وأبلغ نائب من حركة “امل”، “النهار”، أن قرار المشاركة في الجلسة قد حسم من قبل الثنائي في خلال لقاءات التنسيق بينهما “وعلى نتائج هذه الجلسة سنتخذ المقتضى. وبالإجمال ليكن معلوماً أننا لسنا في وارد دفع الأمور باتجاه تعزيز الأجواء السلبية والتشنج بما يؤدي إلى تفجير الحكومة أو تعطيلها”. وشدّد على أن اللقاء المرتقب أن ينعقد بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الجمهورية جوزف عون مؤكد ومحسوم والثابت أنه سيكون قبل موعد جلسة الحكومة الثلاثاء. ولم يستبعد النائب نفسه أن ينتج عن هذا اللقاء “تسوية معينة” تساهم في امرار الجلسة الحكومية بالتي هي أحسن، وقال: دائماً عند الرئيس بري الكثير من الأفكارالخلّاقة والحلول الناجعة والمقرونة برغبة أكيدة لديه في المحافظة على التهدئة والبحث عن حلول للقضايا العالقة وفي مقدمها بطبيعة الحال مسالة حصرية السلاح.
وهل عند الثنائي مخاوف من أن يستغل الفريق المتحمس لنزع السلاح الجلسة الموعودة لرفع الصوت ومضاعفة الضغوط؟ أجاب: “نحن نتوقع ذلك خصوصاً أن أحد أطراف هذا الفريق يريد حشر الرئاسات الثلاث بعدما رفع الصوت اعتراضاً على عدم حسمها وتمييعها للأمور في هذا الاطار” .
وأبلغ أحد نواب “حزب الله” إلى “النهار”، أن “كل ما اثير في الساعات الماضية عن توجهات سلبية عندنا قد تفضي إلى تفجير الحكومة والأوضاع عموماً هو غير صحيح، فنحن حرصاء على أن نكون عنصراً إيجابيا” .
وقال “إن البند المتعلق بموضوع السلاح كما ورد في جدول أعمال جلسة الحكومة لم نجده بنداً استفزازياً لنا، إذ لم يرد فيه تعبير سحب السلاح أو نزعه، وكل ما ورد “استكمال البحث في موضوع حصرية السلاح وبسط سلطة الدولة على كل أراضيها”، ونحن سبق وقلنا إننا لا نعارض هذا التوجه، ولكن لنا رؤيتنا المتكاملة لمسار هذا الموضوع، وقلنا مراراً ضرورة أن يسبق ذلك وقف العدوان الإسرائيلي اليومي وانسحاب الاحتلال من كل أراضينا قبل البدء بمناقشة داخلية محضة لمسالة سحب السلاح. وهذا جوهر ما أبلغه رئيس كتلتنا محمد رعد لرئيس الجمهورية إبان اجتماعهما الخميس الماضي في قصر بعبدا، وقد اتسم هذا اللقاء بالصراحة والايجابية”.
تزامن ذلك مع كشف تبلّغ لبنان في الساعات الأخيرة الورقة الأميركية الجديدة المعدلة لورقة الموفد توم برّاك التي ستُعرض على مجلس الوزراء، وأفادت المعلومات التي سربت عنها أنها تتضمّن تفاصيل عناوين رئيسية أبرزها
مراحل تسليم سلاح “حزب الله” من السلاح الثقيل إلى المسيّرات، ثم السلاح الخفيف، ضمن مهلة زمنية محددة. علاقة لبنان بسوريا، مع مطالبة بالإسراع في ترسيم الحدود بين البلدين، وترسيم الحدود مع إسرائيل. وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وانسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين. وإعادة الإعمار وسبل تحقيق الازدهار.
وتتضمن الورقة معظم الأفكار التي سبق لبرّاك أن طرحها خلال زياراته ومواقفه المختلفة حيال المهمة الموكلة إليه.
وتُظهر المقارنة بين النص النهائي والصيغة السابقة أن الأميركيين أجروا تعديلات جعلت النص غير قابل للنقاش، فإما أن يوافق عليه لبنان كما هو أو يرفضه ويتحمّل العواقب.
غير أن مناسبة احياء الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت التي تصادف اليوم طغت على الأجواء الداخلية، في ظل الاستعدادات لفعاليات الذكرى اليوم في وسط بيروت امتداداً إلى مرفأ بيروت وتصاعد الشكوك الغاضبة حيال تأخر كشف الحقائق المتصلة بهذا الزلزال المخيف الذي جسّده الانفجار والعرقلة المتمادية للتحقيق العدلي الجاري حوله. وفي السياق أعلن رئيس الحكومة نواف سلام “أن معرفة حقيقة انفجار مرفأ بيروت ومحاسبة المتورطين قضية وطنية جامعة”، لافتًا إلى “أنّ بيروت عاصمة ثكلى على أبنائها، لكن الخامس من آب يمثل اندفاع الشباب من كل المناطق لمداواة الجراح وهو جيل يريد قيام الدولة”.
وشدّد سلام خلال الجلسة الحوارية المشتركة، بين وزير الثقافة غسان سلامة ووزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، لمناقشة تداعيات انفجار الرابع من آب بعد مرور خمس سنوات على وقوعه، في المكتبة الوطنية- الصنائع، على أن المطالبة بالعدالة في تفجير مرفأ بيروت تؤمن بناء الدولة العادلة ويجب أن نحدد طبيعة البلد الذي نريد أن نعيش فيه. وقال سلام: “أعلم أن الكثير من اللبنانيين واللبنانيات يشعرون أن الحقيقة ما زالت بعيدة، وأن العدالة متأخرة. لكنّي أقولها اليوم بوضوح: لا تسوية على حساب العدالة. لا غطاء فوق رأس أي مسؤولية. ولا نهاية لهذا الجرح الوطني إلا بكشف الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين، كل المسؤولين وأياً كانوا، أمام القضاء”.
وفي السياق جدّد سلام “تمسكنا بما التزمنا به في البيان الوزاري: بناء دولة قوية عادلة، سيّدة، حرّة، مستقلة. دولة لن توفّر جهداً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كل شبر من أراضينا، ولبسط سلطتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصراً. دولة يكون قرار الحرب والسلم في يدها وحدها. دولة حق وقانون تنهي الإفلات من العقاب وتحقق العدالة، ويبقى أن طريقنا الوحيد إليها هو استكمال مسيرة الإصلاح السياسي والمالي والإداري”.
وارتفعت أصوات اقطاب الكنائس المسيحية في لبنان منادية بإعلان القرار الظني وإحقاق العدالة، فأعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد من الديمان: “إنا نطالب القاضي البيطار بممارسة صلاحياته القضائية كاملة، إظهاراً للحقيقة، وصوناً للعدالة، وضمانة للقضاء الحر الذي يعلو الجميع من دون أية حصانة”.
وبدوره ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة الذي ترأس قداسا لراحة انفس ضحايا انفجار المرفأ، قال: “دولتنا منذ خمس سنوات، تترك شعبها بلا حقيقة ولا عدالة. الرب لم يطرد الجموع ولا ارتضى أن يبقوا جائعين، أما مسؤولو هذا الزمان، فقد أغلقوا آذانهم وقلوبهم، تركوا الأيتام بلا جواب، والأمهات الثكلى بلا عزاء، والآباء المكسورين بلا كلمة حق. كيف ينامون مرتاحي البال فيما آلاف العائلات تنتظر معرفة من أزهق نفوس أبنائها أو شرّدها؟ كيف يستطيع القاضي أو النائب أو الوزير أو من له علاقة بهذه الكارثة أن يتابع حياته بشكل عادي، فيما أمهات بيروت يقضين الليالي بالدموع والوجع، وبعض المصابين ما زالوا يئنون؟ كفى عرقلة للتحقيق، وصمتاً عن قول الحق، وخوفاً على المصالح”.
كيوسك:
تبلّغ لبنان رسالة أميركية جديدة تتضمن صيغة معدلة نهائية لورقة الموفد الأميركي توم برّاك وتتسم بالتشدد في موضوع نزع سلاح “حزب الله”