4 دول عربية من بين الأكثر ضعفاً اقتصادياً في العالم …هل هناك سبيل للإنقاذ؟

آنا ماريا الشدياق
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، كشف تقرير للبنك الدولي عن قائمة تضم 15 دولة حول العالم تسجّل أعلى نسب عجز تجاري نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، تتصدرها دول جزرية صغيرة مثل كيريباتي (88.6%) وناورو (79.2%)، وتضم أربع دول عربية هي الصومال في المرتبة الثامنة (54.3%)، ولبنان في المرتبة الثانية عشرة (43.1%)، وفلسطين في المرتبة الرابعة عشرة (39.2%)، واليمن في المرتبة الخامسة عشرة (38.6%). هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن اختلال مالي، بل تكشف عن أزمة بنيوية عميقة تجعل من الاعتماد على الخارج قاعدة لا استثناء. فهل تستطيع هذه الدول أن تنتقل من اقتصاد ريعي هش إلى اقتصاد إنتاجي مستدام؟
تعاني الدول العربية الأربع، إلى جانب معظم الدول الجزرية الصغيرة، من مجموعة من التحديات المشتركة: غياب الاستقرار السياسي، هشاشة البنية التحتية، ضعف الحوكمة، وارتفاع التكاليف التشغيلية في القطاعات الإنتاجية.
في هذا الإطار، شرح الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور بلال علامة لـ”النهار”، أن هذه الأزمات ليست مرتبطة بضعف الموارد فحسب، بل بغياب السياسات الاقتصادية الداعمة للإنتاج المحلي. إن “الاقتصادات التي ترزح تحت هذا النوع من العجز بحاجة إلى خطط شاملة لتحفيز القطاعات الإنتاجية، وبخاصة الزراعة والصناعات الغذائية، عبر تقديم حوافز ضريبية وتشريعية مدروسة، وتسهيل حركة الأموال وتوفير الطاقة بأسعار مناسبة”.
وأضاف علامة إن الدول مثل لبنان تملك قطاعات واعدة، بخاصة في الصناعات الدوائية والغذائية، كما أظهرت أزمة كورونا، لكن هذه القطاعات بحاجة إلى دعم حكومي حقيقي وخطط تمويل واضحة
.
وشدد على أن “المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي العمود الفقري لأي عملية نهوض اقتصادي في هذه الدول، لكنها تعاني من غياب التمويل وارتفاع تكلفة الطاقة والضرائب غير المدروسة”. ودعا الحكومات إلى بناء بيئة مشجعة عبر خفض الضرائب عن القطاعات الإنتاجية، وتوفير قروض ميسّرة تُمكّنها من النهوض
.
من جهة أخرى، أشار علامة إلى تجربة تأسيس صندوق دعم الصناعات في لبنان عام 2022، والذي أُرصدت له موازنة جيدة لكنه فشل في تحقيق أهدافه بسبب سوء الإدارة وغياب الشفافية. هذا المثال يوضح أن غياب الحوكمة الرشيدة يؤدي إلى إجهاض المبادرات حتى لو توافرت الموارد.
صورة تعبيرية (وكالات)
.
أما عن العلاقات التجارية، فرأى أن الدول ذات العجز المرتفع لا تستطيع في الوقت الحالي فرض اتفاقات جديدة، لكنها قادرة على تفعيل الاتفاقات الموقّعة سابقاً وتحقيق أقصى استفادة منها، ريثما تنجح في تحسين وضعها الداخلي.
وأضاف: “السياسة الخارجية والاقتصادية يجب أن تعملا بتناغم، لأن النزاعات السياسية تعطل كثيراً من الشراكات الاقتصادية القائمة أو المحتملة.”
وختم بالإشارة إلى أن “الإصلاح ممكن، لكنه مشروط بفصل السياسة عن الاقتصاد، ووضع رؤية وطنية شاملة تدعم الإنتاج وتقلّص الاعتماد على الخارج”.
إن واقع الدول العربية الأربع ضمن قائمة الـ15 دولة الأعلى عجزاً تجارياً في العالم، يعكس أزمة اقتصادية عميقة تتجاوز المؤشرات المالية، وتمسّ جوهر السياسات الاقتصادية والبنية المؤسسية. ورغم التحديات، فإن الطريق ليس مغلقاً. إذ يمكن عبر سياسات حكيمة، دعم القطاعات الإنتاجية، وتشجيع الصناعات الصغيرة، وتفعيل الاتفاقات التجارية القائمة على أن تخطو هذه الدول نحو التخفيف من التبعية وتحقيق توازن اقتصادي أكثر استدامة.