بريطانيا تؤيد تايوان… هل تستطيع ذكرى الأمجاد الماضية التصدي للصين؟

بريطانيا تؤيد تايوان… هل تستطيع ذكرى الأمجاد الماضية التصدي للصين؟

تشكّل قضية تايوان أبرز الملفات الشائكة على الصعيد الدولي لحساسيّتها بين قوى الغرب الداعمة للجزيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة وبين الصين، التي تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ منها، وقد حذّر رئيسها شي جينبينغ أن استرجاعها إلى “الأرض الأم” قد يكون باستخدام القوّة. وبذلك تكشف بكين عن كل أوراقها وتبقى القضية بانتظار ساعة الصفر على التوقيت الصيني.

عادت هذه المسألة مجدّداً إل الواجهة مع موقف بريطاني عالي السقف عن احتمال تصعيد الصين تجاه تايوان، إذ قال وزير دفاع بريطانيا جون هيلي: “إذا اضطررنا إلى القتال، كما فعلنا في الماضي، فإن أستراليا والمملكة المتحدة دولتان ستقاتلان معاً”.

وأقرّ من على متن حاملة الطائرات “HMS Prince of Wales” في بداروين بأستراليا أن التهديدات تتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلّا أنّه اتّخذ خطوة إلى الوراء عندما أوضح في الكلمة نفسها أن المملكة المتحدة “تفضّل حل النزاعات سلمياً وديبلوماسياً. نحن نؤمن بالسلام من خلال القوّة وقوّتنا تنبع من تحالفاتنا”.

وأتت تصريحاته بالتزامن مع تحرّك حاملة الطائرات المحمّلة بمقاتلات “F-35” من سنغافورة إلى شمال أستراليا للمرّة الأولى منذ عام 1997. وستواصل طريقها إلى اليابان، في مسار قد يمر بالقرب من تايوان.

في المشهد العام، لا تزال الدول الحليفة لتايبيه تُمارس “سياسة الغموض الاستراتيجي”، خصوصاً مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرغم من وجود تقارير كشفت عن استعدادات البنتاغون لصراع محتمل. بالمقابل، أعلن سلفه جو بايدن مراراً أن واشنطن ستدعم تايبيه بمواجهة بكين.

وبين الكلام البريطاني وواقع الجزيرة، تكثر التحليلات عن تداعيات موقف وزير الدفاع ومدى جدّيته وتأثيره في هكذا صراع ساخن، فهل سيكون العالم في حال اندلاع الصراع أمام سيناريو متكامل لحرب عالمية ثالثة أم أن رفع السقوف الكلامية قد يتبدّل؟ 

 

وزير الدفاع البريطاني جون هيلي مع نائب رئيس وزراء أستراليا ريتشارد مارلز على متن السفينة HMS Prince of Wales في داروين. (مواقع)

 

لا نزاع؟
يعتبر علي حمّود، الكاتب في العلاقات الدولية والاقتصاد ورئيس مركز باريس للاستثمار (ICCP)، أن التصريح البريطاني هو رد على الرئيس الصيني بشأن تايوان وإمكانية الاستيلاء عليها. ويشير إلى أن كلام هيلي عالي السقف يأتي بعد الاتّهامات التي أطلقها وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث  خلال منتدى حوار شانغريلا للأمن في سنغافورة في أيار/مايو، لافتاً إلى أن بكين “تستعد بصورة موثوقة لاستخدام محتمل للقوة العسكرية لتغيير ميزان القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، محذّراً من أن الجيش الصيني يعمل على بناء القدرات لاجتياح تايوان “ويتدّرب” على ذلك فعلياً.

ويعتقد حمّود، في تصريح لـ”النهار”، أن التوتّر بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا مع الصين “لن يتحوّل إلى نزاع”، فعلى الرغم من الاستفادة الأميركية من خلال بيع الأسلحة في حال نشوب صراع لإنعاش الاقتصاد إلّا أن كل التصريحات لا يزال حتى الآن هدفها رفع السقف والردع. فيحكم تشابك اقتصادي الدول العظمى وقد تتأثّر في أي صراع، لذلك “سيكون الاتّجاه الواقعي للحلول السلمية والديبلوماسية”.

ويلفت حمّود إلى أن بريطانيا تحاول إعادة رسم دورها الدفاعي في أوروبا والمحيطين الهندي والهادئ وحتى المحيط الأطلسي مع ترهّل قدراتها العسكرية، ومقابل ذلك أحيت تحالفات عسكرية وأعادت توقيع اتّفاقيات ومعاهدات كمعاهدة “لانكستر هاوس” مع باريس ومعاهدة كنسينغتون”  مع برلين، بهدف خلق جبهة ردع أوروبية بين القوى الثلاث.

يؤثّر ترهّل القوى العسكرية البريطانية وزيادة الدين إلى أكثر من 3 تريليون دولار على دور الجيش ومهامه. وفي النتيجة، تحاول بريطانيا إحياء أمجادها في ظل جملة من التحدّيات في وقت أصبحت الصين المنافسة الأقوى لأكبر قوة عسكرية واقتصادية للولايات المتحدة، وفق حمّود.

 

 

الصين: خطاب وزير الدفاع الأميركي استفزازي


قال هيغسيث خلال منتدى حوار شانغريلا للأمن في سنغافورة إن “التهديد الذي تشكّله الصين حقيقي وقد يكون وشيكاً”.

 

 

“بين الإعلامين”…
في سياق رفع السقوف، اعتبرت صحيفة “غلوبل تايمز” الصينية في تقرير لها أن “مواقف لندن لا تعكس سوى طيف من حقبة استعمارية قديمة. فبالنسبة لدولة كانت تفخر سابقاً بفرض نفوذها البحري واستعمار البلدان والمناطق، فإن استعراض حاملات الطائرات وإثارة النزعة العسكرية في مضيق تايوان ليس سوى حنين إلى مجد زائل”، مضيفة أن “مضيق تايوان ليس شاشة عرض لنوستالجيا الإمبراطورية البريطانية ولا مسرحاً لبعض السياسيين ليستعرضوا عضلاتهم السياسية ولا حلبة تستعرض فيها الدول مدى أهميتها الجيوسياسية”.

 

وأضافت الصحيفة: “من المفارقات أن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي صرّح مؤخّراً بوضوح أنّه لا يرغب في التعليق على احتمال انضمام أستراليا إلى الولايات المتحدة وحلفائها لمواجهة الصين في حال نشوب نزاع. مع تجديده التزام بلاده بسياسة الصين الواحدة، يُطرح سؤالاً مشروعاً: هل تعلم أستراليا أصلاً أن بريطانيا قد تعهّدت بالقتال معها؟”.

 

ولم تختلف رؤية الكاتب ريتشارد كامب في صحيفة “التلغراف” البريطانية، إذ رأى أنّه “إذا كانت بريطانيا تريد أن تُؤخذ على محمل الجد على الساحة الدولية، فالأجدى بها أن تعزّز قدراتها الدفاعية بدلاً من إطلاق تهديدات جوفاء تجاه الصين”، مشيراً إلى أن “الردع لا يُبنى على الكلمات بل على قوّة عسكرية حقيقية. أمّا بريطانيا، فلم تعد تمتلك شيئاً يشبه هذه القوة، وبالتأكيد لا تملك ما يكفي لخوض حرب في المحيط الهادئ، حتى إلى جانب حلفائها. أن ترسو حاملة طائرات في داروين وتبحر في دوريات حرّية الملاحة عبر مضيق تايوان الهادئ هو شيء، أمّا الانخراط في قتال ضد قوّة نووية تمتلك أكبر جيش وأضخم أسطول بحري في العالم، فشيء مختلف تماماً”.

اللافت ما أشار إليه كامب، إذ تساءل: “ألا يجدر بنا نشر HMS Prince of Wales للتصدّي للعدوان الصيني المدعوم في البحر الأحمر؟”، وأضاف: “يحظى الحوثيون بدعم من النظام في بكين، الذي يزوّدهم بقطع غيار للصواريخ والمسيّرات بالإضافة إلى البرمجيات والمعلومات الاستخبارية عبر الأقمار الصناعية لتحديد أهدافهم. وبدلاً من مواجهة هذا التهديد الفعلي وإرسال رسالة ردع حقيقية للصين، ها نحن نسحب آخر فرقاطة متبقية لنا من المنطقة لإعادتها إلى ساحة الخردة”.

وختم: “بين الأسطول السطحي الملكي ووضع الجيش، من المستبعد أن تشكّل كلمات هيلي أي قلق في أروقة القيادة الصينية السياسية أو العسكرية”.