حاتم العقيل لـ ‘النهار’: نحن نعيد تعريف العالم لنظرة جديدة تجاه منطقتنا من خلال النزاهة والتميز

في حوار يجمع بين الأصالة والابتكار، يكشف المصمم السعودي حاتم العقيل، أحد أبرز وجوه الموضة السعودية المعاصرة، عن رؤيته في إعادة تعريف الهوية الثقافية من خلال التصميم والسرد.
من مؤسّس علامة “تُوبي” وإلى محاور في بودكاست Gems of Arabia، يشقّ العقيل مساراً فريداً يوازن فيه بين الإرث والحداثة، محوّلاً الثوب إلى رمز معاصر، وموثّقاً الأصوات العربية برؤية تُجسّد عمق المنطقة وتميّزها.
* وصفتَ الموضة بأنها مرآة للثقافة. كيف شكّلت هويتك السعودية صوتك الإبداعي، وما الأجزاء التي كان عليك تحدّيها أو إعادة تعريفها خلال المسار؟
– هويتي السعودية هي الأساس. من خلالها تعلّمت أن أرى الجمال والتقاليد والتفاصيل الدقيقة. لكنني، أثناء نشأتي، شعرت أيضاً بالتوتر القائم بين الحداثة والإرث. لم أرغب في التخلي عن أيٍّ منهما، فقررت أن أتحدى الفكرة القائلة بعدم إمكانيتهما التعايش. أعدتُ تعريف معنى أن تكون سعودياً أصيلاً من خلال السماح للتأثيرات العالمية بأن تتواجد جنباً إلى جنب مع الرموز الثقافية العميقة. وأصبح هذا التوازن هو نبض تصاميمي وسردي الإبداعي.
الثوب بتصميم حاتم العقيل (إنستغرام)
* حين أسست “تُوبي”، لم يكن هناك نموذج جاهز للأزياء الفاخرة الرجالية المستلهمة من التقاليد السعودية. ما الذي ألهمك لاتخاذ هذه الخطوة؟ وما المخاوف التي تغلّبت عليها؟
– في ذلك الوقت، لم يكن يُنظر إلى الثوب كوسيلة للتعبير عن الذات، وبالتأكيد لم يُعتبر قطعة يمكنها أن تقف جنباً إلى جنب مع الموضة الفاخرة. رأيت مدى قوة الثوب، وأردت الارتقاء به من خلال الحِرَفية والتفصيل والحداثة. أكبر مخاوفي كانت أن أُساء الفهم، أو أن يُقال إنني أُضعف التقاليد. لكنني تغلّبت على ذلك بالتمسك بالاحترام العميق لتراثنا. لم أكن أحاول تغيير الثوب، بل كنت أمنحه صوتاً جديداً.
*إذا طُلب منك تصميم ثوب يروي قصة مسيرتك الشخصية، ما الرموز أو الأقمشة أو القصّات التي ستختارها؟
– سيكون التصميم بسيطاً وخالداً، لكن بتفاصيل خفية تعكس حكايتي. أختار قماشاً راقياً يمزج بين صوف الحرير للثبات، والقطن الإيطالي للدقة والأناقة. الأكمام والقصّات حادة ومفصّلة، متأثرة بحرفية “سافيل رو” والرقي الغربي.
وبين ثقافتين عشتُهما، أدمج هذا الازدواج في التصميم، عبر أناقة عالمية بروح تقليدية. في الداخل، بطانة خفية تتضمّن عبارات شخصية أو أبياتاً، كسرد خاص مخيط في الثوب. قطعة تنطق بهدوء، لكنها تحمل عمقاً، تماماً مثل الرحلة التي صنعتني.
عايدة جبرايل مع حاتم العقيل في بودكاست Gems of Arabia (من مكتب حاتم العقيل الإعلامي)
* “جواهر العرب” (Gems of Arabia) تبدو أشبه بأرشيف ثقافي لا بودكاست تقليدي. في أي لحظة شعرت بالحاجة لتوثيق الأصوات العربية، لا الاكتفاء بالاحتفاء بها؟
– تعبيراً عن روعة الثقافة العربية، رغبت بالسرد كما في التصميم، فولد “جواهر العرب” للاحتفاء بالأصوات الراسخة والناشئة التي تشكّل ثقافتنا. تطوّر ليصبح منصة ثقافية شاملة، من أبرز صيغها “جواهر في دائرة الضوء”، سلسلة بصرية تبرز المبدعين عبر محتوى قصير وسرد عميق.
هذا المسار قاد إلى تأسيس وكالتي (Authenticité)، شركة استشارية ثقافية تربط العلامات العالمية بالتميّز الإقليمي. فبينما يوثّق “جواهر العرب” الثقافة، تخلق (Authenticité) شراكات حقيقية.
تعاونّا مع مؤسسات كـ”إثراء” ووزارة الثقافة وكأس السعودية، ومع علامات مثل “هارودز”، “تيفاني”، “بوشرون” و”فالنتينو” بأساليب متجذّرة بالأصالة.
“جواهر العرب” و (Authenticité) عمودان متكاملان: أحدهما للسرد، والآخر استراتيجي، وكلاهما يهدف لإعادة تشكيل النظرة إلى منطقتنا بنزاهة ثقافية وتميّز إبداعي.
ريم السعيدي وسارا مراد مع حاتم العقيل في بودكاست Gems of Arabia (من مكتب حاتم العقيل الإعلامي)
* هل أثّر فيك أي ضيف من “جواهر العرب” بطريقة بقيت معك بعد توقّف الكاميرات؟
– لكل ضيف بصمته، لكن بعض القصص رافقتني طويلاً، أبرزها حديثي مع فاطمة البنوي وتجسيدها للمملكة الجديدة، ومفهوم “غلُوكال” (Glocal) الذي يعكس جوهر “جواهر العرب”.
كذلك أثّر بي كلام الأمير بندر الفيصل عن تمكين العرب، وألهمتني ندى دبس بحرفيتها المعاصرة، وإل سيد بفنه الذي يدمج الخط العربي بالمعاصرة. حوارات رافقتني كتذكير بثراء منطقتنا ومسؤوليتنا.
حاتم العقيل في ثوب من تصميمه (من مكتب حاتم العقيل الاعلامي)
* إذا درس أحدهم أعمالك بعد خمسين عامًا، ما الرسالة التي تود أن ينقلها عن الموضة والثقافة العربية اليوم؟
– أنها لم تكن جامدة. أن الموضة العربية كانت متجذّرة في الإرث لكنها جريئة في التطوّر. أودّ أن يُدركوا أننا كنا شجعاناً بما يكفي لنُحدث الحداثة من دون أن نفقد روحنا، وأننا تعاملنا مع ثقافتنا بإجلال وفضول في آن. وأننا لم ننتظر إذنًا لرواية قصصنا بل امتلكناها.