ربيع كيروز يضفي على “كارمن” لمسة من الحرية والألوان… عندما يجتمع “الهوت كوتور” مع روعة بعلبك

ربيع كيروز يضفي على “كارمن” لمسة من الحرية والألوان… عندما يجتمع “الهوت كوتور” مع روعة بعلبك

في مهرجان بعلبك، حيث تتقاطع الأسطورة بالحاضر، وحيث يمتدّ التاريخ كستارة مسرح شاهقة خلف كل عمل فنّي، كان لـ”كارمن” هذا العام طيف آخر، مشهديّ وملوّن، حمل توقيع المصمم اللبناني العالمي ربيع كيروز.
على درج “معبد باخوس” المهيب، بدت الأزياء كأنّما تتنفس هواء القلعة، وتتمدّد فوق حجارتها بروح جديدة، أنثوية، معاصرة، لكنها مطعّمة بالمهابة.

ليس غريباً على كيروز أن يدخل التاريخ من بابه العريض، فقد سبق هذه المحطة إنجاز مدهش: إدراج إحدى إبداعاته في متحف اللوفر ضمن معرض “LOUVRE COUTURE”، ليفتح حواراً بين موضة اليوم وفنون الأمس. ولكن “كارمن” لم تكن خطوة تكميلية، بل كانت تجربة وجدانية، وفق ما وصفها هو، وتجلّياً آخر من تجليات الفن العابر للحدود.

 

تصاميم ربيع كيروز لـ“كارمن“. (ربيع كيروز)

 

يقول مستعيداً رهبة اللحظة الأولى حين قُدّم له المشروع: “المرة الأولى التي عرضوا عليّ عملاً تأثّرت وتساءلت: أزيائي التي سأصممها ستكون داخل قلعة الجبابرة هذه؟ مؤثّر هذا الأمر”.

كارمن… خارج القوالب
“كارمن”، الأوبرا الأشهر في العالم، تحتمل دوماً تأويلاً جديداً، وصياغة بصريّة مختلفة. بالنسبة إلى كيروز، لم يكن التحدي في محاكاة البيئة الإسبانية التي عرفنا بها البطلة الغجرية، بل في كسر هذه التوقّعات، تماماً كما تكسر كارمن نفسها قيودها في الحبّ والحياة. ويوضح: “لم أرغب في أن أقدّم فساتين إسبانية في بعلبك، ولم أرغب في الوقت نفسه في أن أظهر كارمن وكأنها خارجة من القرن التاسع عشر اللبناني. أحببت أن يكون بمقدور الآخرين أن يرتدوا الثياب، ولكن بطبيعة الحال بطريقة مضخمة ومنفوخة، مع بقائها معاصرة”.

 

تصاميم ربيع كيروز لـ“كارمن“. (ربيع كيروز)

تصاميم ربيع كيروز لـ“كارمن“. (ربيع كيروز)

 

في هذا المزج الذكيّ بين الفخامة والواقعية، بين الرمز والجمال العملي، نجد سمة من سمات ربيع كيروز الأساسية: القصّات النقية، الألوان المتفجّرة، والشكل الذي لا يخون المضمون. من خلال 250 زيّاً صمّمها بالتعاون مع طلاب “مدرسة الموضة” في جامعة “ألبا” (الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة) و “Creative Space Beirut “، شكّل المصمم تجربة تشاركية رائدة، لا تقلّ إبداعاً عن المنصة التي احتضنتها: “قررت في هذه المغامرة ألا أكون فيها منفرداً… هناك نحو 30 تلميذاً عملوا على هذه المجموعة التي درسناها سوياً، وأنا في دار الأزياء الخاصة بي نفّذت 10 قطع من بينها فساتين كارمن، وهي فساتين أكثر “.

من الهوت كوتور إلى خشبة المسرح
كيروز، الذي بنى دار “Maison Rabih Kayrouz” ليكون مرآة لهويته الجمالية، انتقل من العروض النخبوية إلى الأوبرا، من الفساتين الفردية إلى الرؤية الجماعية. لكنه لم يترك بصمته تنصهر في العمل، بل صهر العمل في بصمته. أدخل “الألوان الكَيْروزيّة” إلى قلب المسرح، فجعل منها عنصراً درامياً يُقرأ ويُشاهد.

 

ورشة العمل تحضيراً لـ“كارمن“. (ربيع كيروز)

ورشة العمل تحضيراً لـ“كارمن“. (ربيع كيروز)

 

وقد أتت “كارمن” لتكمل عامه المتوهّج، بعد أن خط اسمه في أروقة اللوفر، جنباً إلى جنب مع أيقونات الخياطة الرفيعة، حيث عُرض أحد تصاميمه ضمن 100 قطعة فنية في “اللوفر كوتور”. هناك، برز كيروز كممثّل لأجيال من الحرفيين اللبنانيين، ناقلاً أناقة المتوسط إلى قاعات العالم.

بين كارمن ولبنان… امرأة لا تُروّض
كارمن، بحسب كيروز، ليست فقط بطلة أوبرا. هي “امرأة قوية، حرة، ومنتفضة”، ويقول عنها: “وهذه امرأة أحبها”. في كل طبقة من قماش، صمّمه لها، نجد إصراراً على إبراز هذه الروح، امرأة ترفض الانصياع، تفتن وتثير، وتدفع حياتها ثمناً لحريتها. إنه توصيف يكاد ينطبق على لبنان نفسه، وفق ما يراه كيروز في لحظة الصمود التي يمثلها مهرجان بعلبك: “وجودنا في بعلبك صمود لبناني، فيه تفاؤل لأننا شعب يحبّ الحياة”، مضيفاً أنّ “البعد الوطني في مهرجان بعلبك ووجودنا كلنا حول هذا المهرجان يشعرنا بأننا نستطيع أن نقدّم الكثير لهذا الوطن”.

 

تصاميم ربيع كيروز لـ“كارمن“. (ربيع كيروز)

تصاميم ربيع كيروز لـ“كارمن“. (ربيع كيروز)

 

في عرض “كارمن”، لم تكن الأزياء مجرّد غلاف. كانت توثيقاً بصرياً لفلسفة كاملة، صاغها كيروز بمخيّلته، وتُرجمت بأقمشة وألوان وأحجام تخاطب الزمان والمكان معاً. كأنّ المسرح كان ينتظر أن يُحكى بهذه اللغة، وكأن كارمن ذاتها، المتمردة والعاشقة، كانت تبحث عن فستان يشبه روحها، فوجدت ذلك في دار ربيع كيروز.

وُلد تحت النجوم! 
يقول كيروز بابتسامة الرضا: “هذه السنة جميلة، خصوصاً أنهم يقولون إنني ولدت تحت النجوم”. ربما هي نبوءة موضة لبنانية تتكامل مع الفن، وربما هو نجم يضيء أكثر حين يُلقى الضوء على تراثنا، بحب، وبحِرفة، وبحلم لا ينطفئ.