ما هي أوبرا “كارمن”؟ | جريدة النهار

في عتمة المسرح لمّا تخبو الأضواء، تخرج “كارمن” لتشعل حواسنا. تحوّلت بطلة الأوبرا التي كتبها جورج بيزي عام 1875 إلى أسطورة من لحم ونار؛ امرأة لا تنحني، لا تُروَّض، تفتن وتتمرّد، وتدفع بالحب إلى حدّه الأقصى. “كارمن” هي موسيقى الرغبة، عاصفة من التناقضات التي لا تهدأ، امرأة تسير وحدها في وجه مجتمع أرادها هامشاً فجعلت من نفسها مركز الحكاية.
ابتكار ثوري في عالم الأوبرا
حين كتب جورج بيزي “كارمن”، لم يكن يدرك أن عمله سيقلب المعادلة. لم تكن الأوبرا في ذلك الزمن معتادة على تقديم بطلات من عامة الشعب، ولا أن تتناول الحب بشكله الوحشي، الغريزي، المدمّر. لكن بيزي مزج الموسيقى الفرنسية بالتأثيرات الإسبانية، وخلق ألحاناً تنبض بالحياة، من “الهابانيرا” الشهيرة إلى “أغنية التوريادور”، فجاءت النتيجة عملاً نابضاً بالحيوية والتحدّي، يتجاوز الزمان والمكان.
المشهد الأوبرالي ليلة افتتاح المهرجانات. (أ ف ب)
القصة: الغواية والمصير
تقع أحداث الأوبرا في إشبيلية، وتتمحور حول كارمن، الفاتنة الغجرية التي تعمل في مصنع للسجائر، وتُغري الجندي البسيط “دون خوسيه”، الذي يضحي بكل شيء من أجلها، لينتهي به الأمر قاتلاً، بعد أن تخلّت عنه لتقع في حب مصارع الثيران “إسكامييو”. إنّها مأساة كتبتها كارمن بنفسها، حين اختارت الحرية على حساب الحياة، فمضت إلى قدرها بابتسامة لا تعرف الندم.
لغة موسيقية عبقرية
“كارمن” مزيج من كلمات وموسيقى تتسلّل إلى الروح، تعبّر عن التوتر والرغبة والخطر بجرأة. لقد استخدم بيزي لغة موسيقية مشحونة بالعاطفة، تقلب كلّ قاعدة وتخترق قلب المستمع. ولذلك، ما زالت هذه الأوبرا، بعد أكثر من قرن، تعرض في أكبر المسارح، وتُعاد ترجمتها إلى كلّ لغة، وتُقتبس في الأفلام والمسرحيات و”الهابانيرا” تغزو “السوشيل ميديا”.
الأجساد تروي الحكاية. (أ ف ب)
أيقونة الحرية والموت
كارمن ليست ضحية، ولا قدّيسة، ولا شيطانة. هي امرأة اختارت مصيرها حتى النهاية، وقالت “لا” لكلّ من أراد تقييدها. أوبرا “كارمن” هي انتصار للفنّ الذي يجرؤ على أن يكون حقيقياً، وللشخصية التي تفضل أن تموت حرة على أن تعيش خاضعة.
إنها من أكثر الأعمال التي خلّدت صوت المرأة بصفتها رغبة، نداء، وناراً لا تنطفئ.