عون يحدد الأولويات: الاستقرار أو الانتحار؟

عباس ضاهر
لا يمكن رصد موقف لبناني واحد، يوجّه انتقاداً لخطاب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون: من لا يريد الدولة ان تحميه، وتضمن امن وسيادة بلده، وتحافظ على استقراره الداخلي، وتحاسب الفاسدين، وتحيي المؤسسات، وتمنع الفوضى، وتفرض انسحاب الاحتلال ووقف الحرب؟
قدّم الرئيس عون خطاباً وطنياً متوزاناً، قائماً على معادلة عملية: لنحمي الدولة، لأن الدولة تحمي أبناءها.
انطلق رئيس الجمهورية من الاشادة بتضحيات الشهداء والذين قاوموا من اجل بلدهم، مؤكداً على اولوية وقف الاعتداءات الاسرائيلية، وانسحاب الاحتلال خلف الحدود الدولية، وتسليح ودعم الجيش، واعادة الإعمار، والاسرى، وحصرية السلاح، وحل مسألة النازحين، وعناوين اخرى ترتبط بدور الدولة اللبنانية.
تجسّد تلك الطروحات عناوين وطنية، يُفترض ان تكون جامعة، خصوصاً ان الحروب صارت مغامرات وعبثية، بعدما دمّرت إسرائيل قرى حدودية بكاملها، وقتلت مئات اللبنانيين، ولا تزال تقوم بالاغتيالات، واجبرت مواطنين لبنانيين على النزوح من ارضهم، وتستبيح يومياً السيادة اللبنانية. فما هو الحل؟ هل نبقى في هذه الدوّامة؟
ما طرحه رئيس الجمهورية، هو خارطة طريق وطنية، عمادها سحب ذريعة العدوان الاسرائيلي، اي سلاح حزب الله، وتسليمه للدولة اللبنانية، التي يُصبح واجبها الوطني الدفاع عن الوطن وأبنائه. هذه الدولة هي اجتماع المكونات اللبنانية، بكل طوائفهم ومناطقهم في مساحتها، وبالتالي فإن “حزب الله” موجود فيها، ويمثّل مكوناً اساسياً من مكوناتها، فلم الخوف؟ وممن؟
يصح كلام الرئيس عون عن عبثية هذه الحرب، لأن الإسرائيليين لم يرتدعوا، ولم ينسحبوا، رغم وجود سلاح الحزب، فلم لا تتولى الدولة اللبنانية حماية ابنائها؟
كان الامام موسى الصدر، يطالب الدولة اللبنانية، بالحضور إلى الجنوب، ويعتبر ان منشأ المقاومة هو تخلّي الدولة عن ابنائها في وجه المطامع الاسرائيلية. وطالما تريد الدولة ان تحضر دفاعياً عسكرياً، إلى الجنوب، بعدما احضرها رئيس مجلس النواب نبيه بري إنمائيا وسياسياً، خلال العقود الماضية، واعطى للجنوب حقوقه الطبيعية، فلماذا يتم رفض ان تتولى الدولة امر سيادتها على ارضها؟
نجح الرئيس عون في خطابه، لأنه انطلق من واقع لبناني، يستشرف المرحلة المقبلة التي تستدعي مواكبة المستجدات، والحفاظ على الدولة ومكوناتها، ووقف الحرب، واعادة الإعمار، وحل القضايا العالقة.
لكن القرار هو في مجلس الوزراء، الذي سيجتمع الثلاثاء المقبل، لرسم مسار المرحلة المقبلة، حيث وضع رئيس الجمهورية حقيقة الأمر بين خيارين: الاستقرار او الانتحار.
سيختار كل اللبنانيين استقرار بلدهم، ولا يريدون الانتحار. ويُفترض بأهل الجنوب والمقاومين ان يختاروا ايضاً عودتهم إلى أرضهم، وتنمية مناطقهم، وامان اولادهم، والاستناد إلى جيش بلدهم للدفاع عن ارضهم. ويَفترض ايضاً باللبنانيين ان يختاروا سلام لبنان الداخلي، الذي كان الامام الصدر يعتبره افضل وجوه الحرب مع إسرائيل. وهو ما قدّمه الرئيس عون في صلب خطابه الوطني، ليحمّل الاحزاب والقوى السياسية والدينية، مسؤولية اي استفزاز، طالبا منها مواكبة بيئة “حزب الله” بوعي، والاعتراف بهواجسهم، وضمان دورهم مساواة بأدوار الجميع.
جاء خطاب رئيس الجمهورية، لتأكيد خطاب القسم، حيث لا رجوع عنه، وهو في ذلك ردّ ضمنياً على كل الاتهامات التي طالته بذريعة التقصير. كما انه أشار الى انجازات عدة، تقوم بها اول حكومات العهد، من مراسيم التشكيلات القضائية واستقلالية عمل القضاة، خصوصا ان لمسات الرئيس عون بدت في التوجيهات لمكافحة الفساد، وإسقاط الحصانات، وحصول التوقيفات. ليأتي تمتين العلاقات مع المجتمع الدولي والعربي وإعادة فتح السفارات، وتعيين السفراء، وعودة السيّاح، كلها تؤشر إلى مضي رئيس الجمهورية في خطواته إلى الأمام.
العلامات الدالة