عندما تتخلى العلامة التجارية عن نفوذها… وتحصد النجاح

بقلم: ماريا نعمة -مدير عام OLX لبنان
في عالم يُقاس فيه النجاح بالتحكم، تصبح العلامات التجارية أكثر شراسة في حماية هويتها. كل شعار، كل كلمة، كل تغريدة تُراجع وتُدقَّق وتُقاس. في هذا النظام المغلق، أي خلل يُعدّ مخاطرة… وأي تنازل يُعتبر ضعفًا.
لكن ماذا لو كانت القوة الحقيقية تكمن في التنازل؟
ماذا لو كان الطريق الأقوى إلى ثقة الناس يبدأ عندما تفتح العلامة التجارية باب القرار… وتتنحّى جانبًا؟
هذا بالضبط ما فعلناه في OLX لبنان.
لا شعار مقدّس… بل مجتمع له رأي
لطالما أثار اسم منصتنا جدلًا بين مستخدميها: هل هي OLX؟ أم Dubizzle؟ على مرّ السنوات، تغيّر الاسم أكثر من مرة، ومع كل تغيير، زاد الحنين، وزادت الحيرة.
وفي عالم معتاد على قرارات تأتي من “الأعلى”، قررنا أن نفعل العكس تماما.
سألنا الناس: ما الاسم الذي تريدونه؟
وأعطيناهم حق الاختيار الكامل.
أطلقنا حملة تصويت عامة، عبر وسائل التواصل والإعلانات الرقمية، وشارك فيها أكثر من 100 ألف شخص. والنتيجة كانت حاسمة: 87% اختاروا OLX.
اسمنا، الذي كنّا نحن أنفسنا غير واثقين من بقائه، عاد… لكن هذه المرة بإرادة الناس، لا بإرادة الإدارة.
الهشاشة تقرّب الناس… لا تُبعدهم
ما فعلناه ليس مجرد استفتاء، بل خطوة غير مسبوقة في صناعة تُخفي قراراتها خلف الستائر.
اخترنا أن نكون صادقين بشأن ارتباك الهوية. بل ذهبنا أبعد من ذلك… وسخرنا من أنفسنا.
تعاونّا مع 11 من أبرز الكوميديين والمؤثّرين في لبنان. كلٌّ منهم قدّم قصته مع اسم المنصة بطريقته، وفتح باب التصويت أمام جمهوره. النتيجة؟ ضحك، تفاعل، ونقاش واسع… والأهم: إحساس بأن هذه العلامة تخصّهم، لا تُفرض عليهم.
من جمهور مستهلك… إلى جمهور شريك
في هذا النوع من الحملات، لا يبقى الجمهور مجرد “مستهلكًا”، بل يصبح “شريكًا” في صنع القرار. وهذا ما يُحدث فرقًا جذريًا.
حين يشارك الناس في رسم ملامح العلامة التجارية، يشعرون بامتلاكها. يشعرون أن رأيهم ليس فقط مسموعًا، بل مُعتمد عليه. وهنا، تتحوّل الثقة من علاقة تسويقية إلى رابط حقيقي.
وهذا ما نحتاجه اليوم: الثقة الحقيقية، لا الولاء المصطنع.
ما بعد التصويت… ما بعد الاسم
اليوم، اسم OLX ليس مجرد قرار إداري. إنه انعكاس لصوت مجتمع متنوّع، حيّ، ومتفاعل. لم نعد فقط تطبيقًا للإعلانات المبوبة. نحن مجتمع رقمي حقيقي، تحرّكه الثقة، وتحميه الشفافية، ويقوده الناس بأنفسهم.
التنازل ليس ضعفًا… بل نضج
هل خفنا من النتيجة؟ نعم.
هل تخلّينا عن سيطرتنا؟ بالتأكيد.
لكن ما حصلنا عليه بالمقابل كان أعظم من مجرد اسم: حصلنا على ولاء نابع من القلب، وثقة يصعب كسبها، وشعور جماعي بأن هذه المنصة أصبحت ملكاً للناس.
ربما حان الوقت لنراجع فكرة “التحكم الكامل” في الهوية.
فأحيانًا، أصدق الحملات تبدأ حين نتنازل… وننصت.
مادة اعلانية