“العشاق المبدعون” لشوقي بزيع: تحليل موضوعي للواقع العاطفي لدى المبدعين

عمل شوقي بزيع في كتابه “المبدعون عشّاقاً- فتنة اللاممتلك وسحر المنادى الغائب” (دار المدى)، على ترتيب الحياة العاطفيّة للمبدعين العالميّين الأكثر تأثيراً في عالمي الأدب والفكر، وقد آثر أن يختار المبدعين من مختلف الأعراق والأجناس ليثبت أنّ لوثة الأسى والمستحيل والفقد تطاول المبدع المترنّح بين الحريّة، من جهة، والعشق، من جهة ثانية، ولعلّ ما يميّز هذا العمل قدرته على الجمع بين الجهد البحثي المتمثّل بالاعتماد على مراجع عدّة عربيّة وأجنبيّة، وبين الجهد الإبداعي المتمثّل بالخروج على منطق المنهجيّة البحثيّة الأكاديميّة وخلق قالب كتابي تواصليّ يلامس الإبداع توصيفاً.
ابتعاد عن التقريريّة
عمل صاحب مجموعة “قمصان يوسف” على جمع المقالات التي نشر معظمها في صحيفة “الشرق الأوسط”، على التميّز الكتابي التواصلي شكلاً وجوهراً، فعلى الصعيد الشكليّ تقدّم بزيع بعناوين مقالاته واضعاً إسم المعشوقة قبل إسم العاشق، بصرف النظر عما إذا كان المبدع رجلاً، كأنّه يريد أن يعطي القارىء إشارتيْن: الأولى تتمثّل باهتمامه بالمرأة وتكريمها أخلاقيّاً وانسانيّاً، والثانية تذكير القارىء وترسيخ فكرة “شاعر المرأة” التي تميّز بها صاحب مجموعة ” كأنّي غريبك بين النساء” بعد سنوات طوال من صدور مجموعته الأخيرة “الحياة كما لم تحدث ” عن “دار الآداب” في بيروت.
أيضاً على صعيد الشكل، عمل بزيع على جعل كل المقالات متساوية من ناحية عدد الصفحات ومن ناحية حجم المقاطع، وهو عمل يتطلّب جهداً، خصوصاً إذا كان الكاتب قد خرج عن التقنيّات البحثيّة التي تعتمد على معايير أكاديميّة في نظم البحث وترتيبه، وعلى رغم اختياره أسماء لامعة مثل فريديريك نيتشه، جبران خليل جبران، أمين نخلة، قيس بن الملوّح، مارتن هيديغر، غسّان كنفاني، شارل بودلير وغيرها.. أضاء بزيع على شعراء أقلّ جماهيريّة، أقلّه بالنسبة إلى العامّة مثل ذو الرمّة، غابرييلا ميسترال وروميليو وغيرهم… كإضاءة على تجاربهم وخلق الفضول لدى المتلقّي.
أمّا على صعيد المتن، فقد عمل بزيع على خلق جسر يحاول جعل مآسي العشّاق المبدعين وتجاربهم بمثابة متتاليات قصصيّة، سواء على صعيد مقارنة القصص العاطفيّة ببعضها، أم ربط علاقة المبدعين ببعضهم بعضاً.
لا يمكننا التعاطي مع كتاب شوقي بزيع على صعيد المضمون كأنّنا نتعاطى مع رواية وأفكارها أو كتاب شعر وقصائده، فالكاتب يعمل على التوثيق والتميّز في هذا المجال من خلال جعل النّص مرآة تعكس المعرفة والحقيقة والتاريخ والأدب، من دون أن يجعل شكل النّص هجيناً أو تقريريّاً.
غلاف الكتاب.
النص الأقرب إلى الحكاية
رتّب شوقي بزيع المقالات ضمن منوال واحد، أو خطّة كتابيّة تبدأ بتوصيف العلاقة بشكل بانوراميّ ومن ثمّ تقديم “بيوغرافي” مكثّف حول المبدع/ة وبعدها ينتقل إلى قلب القصّة أو العلاقة.
هذا التكتيك الكتابي أراد مؤلّف كتاب “هجرة الكلمات” من خلاله أن يمرّن ذاكرة المتلقّي على نمط كتابيّ متنوّع توسّل من خلاله كسر الرتابة وخلق نوع من النسق الحكائي الذي يفتح المسار أمام أعمال أدبيّة قد تكون غائبة عن اهتمامات القارىء أو اكتشافاته القرائيّة.
فضلاً عن ذلك، فإنّ دعم النّص بكتابات واقتباسات ومراجع يتيح للقارىء الإندماج بالكتابة والتجربة الحياتيّة والثقافيّة للمبدع الذي تشاركه مع جميع المبدعين بمصير تراجيديّ ودراميّ، ما جعل اختيار بزيع المبدعين مبنيّاً على قراءة ودراسة وليس فقط على مكانتهم التسويقيّة والكتابيّة الإبداعيّة.
يحاول بزيع من خلال اتّجاهه إلى المسار البحثيّ النقديّ في الكتابة بعد عقود من ممارسة الشّعر المواءمة بين النّص النقدي والنّص الحكائي، كأنّه يعيد اختبار الميادين الكتابيّة أو الاكتفاء بالتجديد في كتابة النّص التواصلي ( المقالة ).
“المبدعون عشّاقاً” ليس مجرّد دفتر يوثّق عراك المبدعين مع عواطفهم وتجاربهم الحياتيّة والثقافيّة، بل هو تمرين كتابيّ وانطلاقة لكتابة المقالات التواصليّة بصيغة أدبيّة تضع الشاعر أمام محطتين إمّا الاكتفاء بهذه التجربة العلميّة الكتابيّة الفريدة وإما التجريب في الميادين الكتابيّة الأخرى وعلى الأرجح كتابة القصص والروايات.