عندما انحنت ماجدة أمام قدمي فيروز

عندما انحنت ماجدة أمام قدمي فيروز

 ريمي الحويك

 

 

عندما جَثَتْ ماجدة عِنْدَ أَقْدَامِ فيروز، حَامِلَةً وَصِيَّةَ الْمَسِيح فِي خَمِيسِ الْأَسْرَار.
لم تكُن ماجدة الرومي تدخلُ بيتاً، بل كانت تطرقُ أبوابَ الوجعِ وتعْبرُ عتبةَ القلبِ المكسور.
لم تكُن تمشي إلى فيروز، بل تمشي إلى لبنان الموجوع، المصلوب مرةً أخرى على نعشِ زياد.
دخلت بخُطىً خفيفة ٍكأنها تخشى أن تُزعِجَ الصمتَ، ذلك الصمتُ الذي غلّفَ قلبَ فيروز منذ فاضَت روحُ زياد إلى الغياب.
 كانت تحمِلُ دمعتَها في راحةِ يدِها، وصوتُها الذي طالما صدحَ بالحياة، كانَ هَمساً مكسوراً، كأنّهُ يتوسّلُ إذناً من الجبلِ كي يقتربَ من الحُزنِ الجالِسِ على عرشِه.
جَثَت ماجدة. نعم، جَثَت كما لا تجثو إلا الأرواحُ النقية، لم تركع فقط لفقدِ الأمومة، بل لأُمٍ لنا جميعاً، ولابنٍ كان وجهاً آخر للبنان الذي نحلم به.
ماجدة لم تكُن تُعزّي فقط، كانت توثّقُ لحظةً في التاريخ الفني والتاريخ الإنساني، لحظةَ أمٍّ تعانقُ أمّاً، لحظةً تَخلعُ فيها الروحُ ثيابَ المجدِ، وتلبسُ رداءَ التواضعِ أمام ألمٍ لا يُحتَمَل.
 في ذلكَ الانحناءِ، أسقَطَتْ ماجدة
عن كَتِفَيها كلَّ مَجدِها لِتحمِلَ مع فيروز القليلَ من الألم، بنَظرةٍ، بلمسةٍ، بصمتٍ.
 جَثَت ماجدة لتبقى فيروزُ واقفةً.
جثَت لأن لبنانَ الحقيقيَّ لا يزالُ حيّاً في القلوبِ النبيلةِ.

 

 

جَثَتْ ماجدة… ونحنُ جَثَوْنا معها،
جثَت قلوبُنا، جَثَت أقدامُ الوطنِ كلُّه عندَ قدمَيْ فيروز.
 جَثَت ماجدة، وبصوتٍ مرتَجِف على شَفَتيْها، همَسَتْ لها:
أنتِ التي غنّيتُ لها ….
‘يا سِتَّ الدنيا’، يا فيروز ….
قومي، قومي، قومي ….