انتخابات المجلس الأعلى لا تُحَلّ النزاع: الانقسام يُعَرّض خريطة الطريق في ليبيا للخطر

لا تنفصل حالة الانقسام التي يعيشها المجلس الأعلى للدولة عن الواقع الليبي العام، بل تمثّل انعكاساً لعمق الصراع على السلطة وتشابكاته، والتحديات التي تواجه المجتمع الدولي في حلّ نزاع دخل عقده الثاني.
ومنذ آب/أغسطس الماضي، يدور صراع على رئاسة المجلس الذي يُنظر إليه كغرفة تشريعية ثانية تمثّل الغرب الليبي، بين محمد تكالة، المقرّب من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وخصمه خالد المشري، المتحالف مع مجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح. وعلى مدى شهور، تمسّك كل طرف بشرعية رئاسته للمجلس، مستنداً إلى أحكام قضائية متضاربة، وسط محاولات داخلية وخارجية لرأب الصدع، انتهت بإجراء انتخابات جديدة على المنصب، حضرها تكالة وفريقه، وأسفرت عن انتخابه رئيساً لمدة عام بعد حصوله على 59 صوتاً، فيما قاطعها المشري ومعسكره، مشكّكاً في شرعية الاقتراع ومؤكداً بطلان نتائجه.
وبينما كان مقرر الجلسة يُعلن، الإثنين، فوز تكالة برئاسة المجلس، بعد عملية تصويت شارك فيها 95 عضواً من أصل 145، كانت التساؤلات تسيطر على الأوساط الليبية بشأن مستقبل المجلس ودوره في العملية السياسية المقبلة، وسط ترقّب لخريطة طريق انتقالية جديدة يجري إعدادها برعاية أميركية – أممية.
ورغم ترحيب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالانتخابات، التي وصفتها بأنها جرت في “ظروف طبيعية وشفافة”، واعترافها الضمني بنتائجها في تطوّر لافت يسبق بأسابيع قليلة كشف المبعوثة الأممية هانا تيتيه عن تفاصيل خريطة الطريق، إلا أن المحلل السياسي الليبي الدكتور رمضان هلالة يرى أن انقسام المجلس الأعلى للدولة “امتداد لحالة الشلل المؤسسي”، ومؤشر واضح إلى أن “التعويل المستمر على المجلسين (النواب والدولة) كجهتين قادرتين على قيادة المرحلة الانتقالية، لم يعد مجدياً ولا مقبولاً لدى قطاع واسع من الليبيين”.
ويضيف، في حديث لـ”النهار”، أن “هذا الإخفاق المتراكم يضع المبعوثة تيتيه أمام اختبار مفصلي، بعدما بات واضحاً أن الرهان على توافق داخلي بين المؤسسات الحالية لم يعد واقعياً، وأن تجاوزها عبر آليات تمثيلية جديدة بات ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل”.
ويرى هلالة أن تأييد البعثة الأممية لانتخاب تكالة يمثّل “تحوّلاً سياسياً، إذ يُنهي فعلياً أي اتفاقات سابقة بين المشري وعقيلة صالح، ويقضي على فرص التوافق بين المجلسين، خصوصاً في ظل الخلافات الجوهرية بين تكالة ورئيس مجلس النواب حول ملفات حساسة”. ويضيف: “هذا التفاقم في الأزمة بين رئاستَي المجلسين، يعزّز توجّه البعثة نحو خيار المسار الرابع، أي تشكيل لجنة حوار وطني ومجلس تأسيسي جديد يقود المرحلة الانتقالية تحت إشراف دولي مباشر”، محذّراً من أنه “إذا فشلت تيتيه في إقناع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بدعم خريطة طريق واضحة وجريئة، فستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الشارع”.
لكن المحلل السياسي محمد محفوظ يذهب في اتجاه مغاير بشأن انعكاسات انتخابات الأعلى للدولة على العملية السياسية، موضحاً أن “اللجوء إلى الانتخابات كان الخيار الوحيد لإنهاء عام من الانقسام، بعدما عجز القضاء عن حسم الملف”.
ويؤكد لـ”النهار” أن “أغلبية تمثّل ثلثي أعضاء المجلس اتفقت على عقد الانتخابات لحسم هذا الخلاف”، معتبراً أن “ما جرى يُطلق رصاصة الرحمة على مسار التوافق بين المشري وصالح لتشكيل حكومة جديدة من دون قبول دولي”.
ويضيف: “البعثة الأممية بات بإمكانها أن تتعاطى بأريحية مع اقتراحات الحل السياسي، باعتبار أن هناك رئاسة معترفاً بها للمجلس الأعلى، وبالتالي يمكن للمجلسين (النواب والدولة) أن يلعبا دوراً في المرحلة المقبلة”. لكنه يضيف أن “اللجوء إلى لجنة حوار سياسي يبقى أحد السيناريوهات، لكنه ليس المرجّح، رغم المعطيات التي تدفع نحوه؛ فهذا المسار طويل ويحتاج إلى ضبط، كما أن الأطراف الدولية لن تدعم مساراً غير مضمون النتائج، لأنه قد يُنتج أسماء غير متوقعة. أما العمل مع المجلسين، فيتيح لتلك الأطراف ضبط الحوار والتحكم في المخرجات بعد الاتفاق عليها مسبقاً. لذلك تبقى كل الاحتمالات مفتوحة”.
أما الناطق السابق باسم المجلس الأعلى للدولة السنوسي إسماعيل، فيشير لـ”النهار” إلى أن انتخابات المجلس “أثارت جدلاً قانونياً واسعاً، صحيح أن هناك عنصراً إيجابياً يتمثّل في اجتماع عدد كبير من الأعضاء في خطوة غير مسبوقة منذ عام، لكن النزاع لم يُحسم، خاصة بعدما تمسّك المشري بأحكام قضائية لمصلحته، وطعن في إجراءات الانتخابات الأخيرة”. ويرى أن “النزاع سيستمر خلال المرحلة المقبلة”.
ويعتبر إسماعيل أن تدخّل البعثة الأممية “محاولة لتحقيق تقدم في مبادرتها التي ستُعلَن خلال أيام، فهي تسعى إلى التماهي مع حالة عدم التوافق بين مجلسي النواب والدولة، لكنها في الوقت ذاته تخشى أنه إذا ذهبت مبادرتها نحو إقصاء المؤسستين التشريعيتين، فلن تجد إجماعاً داخل مجلس الأمن. لذلك تحاول التوازن بين التواصل مع المجلسين وتوسيع الحوار ليشمل أطرافاً أخرى”.