قضية نور سليمان: تدخل وزير الإعلام يحقق النجاح… لكن التساؤلات القانونية لا تزال قائمة

دمشق – “النهار”
استغلّ وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى حادثة اعتقال الصحافية نور سليمان لتسليط الضوء على واقع الصحافة في سوريا وتعقيدات العمل الصحافي في ظل القوانين السارية، مشدداً على اضطلاع وزارته بضمان حرية العمل الصحافي ضمن الحدود التي يفرضها القانون، ومن دون الانزلاق إلى ترويج خطاب الكراهية والطائفية.
غير أنّ اعتقال سليمان ثم الإفراج عنها فتحا الباب أمام تساؤلات عدّة بشأن آليات التوقيف والإفراج، ومدى التزامها بالقوانين وسلطة القضاء.
وقد فرضت المناسبة نفسها بعدما كشفت الناشطة السورية فرح يوسف، المقيمة في فرنسا، عن اعتقال صديقتها الصحافية نور قبل أربعة أيام، مطالبةً بالإفراج عنها. وكتبت يوسف على صفحتها في “فايسبوك”: “اعتُقلت نور بعد مداهمة منزلها مرتين. في المرة الثانية لم تكن في المنزل، فأخبروا أهلها أن تراجع الفرع لحذف تسجيل سجلته أثناء المداهمة الأولى. وذهبت يوم السبت مع والدتها إلى فرع الأمن السياسي، ولم تخرج حتى الآن”.
وحمّلت يوسف في منشورها كلاً من وزيري الإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل، حمزة المصطفى وهند قبوات، إضافة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، مسؤولية سلامة نور، مطالبةً بالإفراج الفوري عنها، إذ إن “الاعتقال التعسفي يتنافى مع قيم الثورة التي كانت نور جزءاً منها”.
ونور سليمان صحافية سورية وعضو في “التجمّع السوري الديموقراطي” الذي تنتمي إليه أيضاً الناشطة فرح يوسف. ويُعرف عن نور أنها كانت معارضة للنظام السابق، وتعرضت للملاحقة والاعتقال من قِبله أكثر من مرة.
تحسّن ملموس
ومنذ تسلّم حمزة المصطفى مهامه في وزارة الإعلام في آذار/مارس الماضي، طرأ تحسّن ملموس على المشهد الإعلامي، بدا واضحاً في اتساع هامش حرية التعبير من دون مضايقات أو ملاحقات، فضلاً عن حرص الوزير على متابعة قضايا الصحافيين وحمايتهم من الاعتقال. وتمكّن المصطفى من تجاوز الثغرة التي نشأت بعد أحداث الساحل، إذ بدأت الحريات الإعلامية تضيق تدريجياً قبل استلامه الوزارة بأسابيع، نتيجة التوتر الذي خلّفته تلك الأحداث. وقد ترك الوزير بصمته سريعاً، ونجح في تعديل أداء الوزارة لصالح حرية العمل الصحافي.
وبعد منشور فرح بنحو أربع ساعات، كتب المصطفى على “فايسبوك”: “تواصلت مع وزير الداخلية السيد أنس خطاب بشأن الصحافية نور سليمان، وقد استجاب مشكوراً لتوصياتنا بالإفراج عنها”. ونوّه الوزير إلى أن سليمان “موقوفة على خلفية لا تتعلّق بعملها الصحافي”.
وفي وقت لاحق، نشر الوزير تغريدة مطوّلة على منصة “إكس” شرح فيها واقع الصحافة في سوريا ومآلاتها في ظل الأوضاع الراهنة.
وأكد في تغريدته أن “حرية الصحافة كانت ركيزة أساسية للثورة السورية”، وأن “العمل الصحافي في سوريا كان بطولياً”، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنه “أُصيب بلوثات الخطاب الطائفي، والشعبوي، والتحريضي؛ وهي تحديات جسيمة يعاني منها المشهد الإعلامي حتى بعد التحرير”.
وقد اعتُبر هذا الكلام إشارة إلى أن بعض منشورات نور على صفحتها كانت ذات طابع طائفي، أو قد تُفهم كذلك.
وشدّد الوزير أيضاً على أنّ “الدعوة إلى الإفراج عن الصحافيين وعدم احتجازهم لا تُسقِط المسار القضائي، بل تفتح له مسارات مختلفة ولكن بأساليب مغايرة، وهذا هو النهج الذي ينبغي أن يسود في دولة العدل والكرامة”.
وقد شكرت فرح يوسف الوزير المصطفى على استجابته لندائها، مؤكّدة أن نور باتت في منزلها.
كذلك، سارع عدد من النشطاء والمثقفين الذين شاركوا في حملة المطالبة بالإفراج عن نور إلى شكر الوزير والثناء على أسلوبه في إدارة وزارة الإعلام وحرصه على حماية الصحافيين.
ملاحظات
لكنّ بعض النشطاء والقانونيين سجّلوا ملاحظات عدّة، شددوا فيها على ضرورة أن يكون الاعتقال وإخلاء السبيل ضمن آليات قانونية واضحة وتحت إشراف قضائي، لا عبر قنوات غامضة بين الوزراء، أقرب إلى وساطات لا تحكمها معايير محددة.
وكتب حازم داكل: “نعم، نور أخطأت في منشورها ومنشورات أخرى، وأنا شخصياً أعتبرها تحريضاً خطيراً ضد مكوّن سوري يشكّل الأغلبية في المجتمع”، لكنه أشار إلى أن “ما حدث معها من اعتقال وإخفاء لأيام في فرع أمني دون توجيه تهمة واضحة، ومنعها من زيارة أهلها أو توكيل محامٍ، هي ممارسات تُذكّرنا بحقبة بائدة دفعنا أثماناً باهظة للتخلّص منها”.
أما المحامي ميشال شماس، فاعتبر أنّ اعتقال نور “يشكّل مؤشراً سلبياً على عودة الاعتقال السياسي”.
وأضاف: “نحن ضد التحريض الطائفي وخطاب الكراهية، ويجب ملاحقة مرتكبي التحريض ومعاقبتهم، لكن ليس عن طريق الاعتقال السياسي العشوائي، بل ضمن إطار القانون”.