القانون الانتخابي وحقوق المهاجرين | النهار

إبراهيم حنا الضاهر*
لقد اتخذت الأحداث في المنطقة منحًى غير متوقع، حتى وجدت الدول المعنية نفسها تواجه تحدّياً وجودياً. أما بالنسبة للبنان، فلا حلّ ممكناً إلا من خلال شرطٍ أساس، وهو إعادة بناء الوحدة الوطنية.
نحن بحاجة إلى نهضة وجودية توحّدنا، ولسنا بحاجة بالتأكيد إلى أسباب إضافية للانقسام، وقد اعتدنا على تسميته “عمودي”، أي أنه يمس المجتمع في طبقاته، وبشكل خطَّيْن متناقضين لا يمكن التوفيق بينهما.
غير أن القانون الانتخابي الذي أُعيد طرحه أخيراً هو المثال الحيّ لهذا الانحراف المعرض للاستغلال السياسي والانتخابي. وهو كذلك إما عن جهل، أو ربما عن محاولة استغلال لأسباب انتخابية.
ومع ذلك، فإن هذه القضية تستحق نقاشاً هادئاً ومسؤولاً. فالاغتراب، وهو محور النقاش الحالي، يتكوّن من شرائح مختلفة نشأت عن موجات الهجرة المتعاقبة. هناك بالفعل جزء، وهو غالباً حديث العهد، لا يزال يعيش على وقع الساعة اللبنانية، ويشاطر البلاد أفراحها وأحزانها، لكنه يعيد أيضاً إنتاج الانقسامات السياسية ذاتها، مشوبة بجرعة من العاطفة الناجمة عن البُعد.
لكن هناك أيضاً جزء آخر، وهو الأقدم وربما الأكثر عدداً، نواجه صعوبة في تعبئته، رغم الجهود المستمرة والجبّارة لمؤسسات مثل “الانتشار” التابع للبطريركية والرابطة المارونية أو الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وسواها.
ومن هنا يمكن الاستنتاج أن اهتمامات هاتين الشريحتين ليست بالضرورة متطابقة. ومن المشروع الاعتقاد أن بعض اللبنانيين الغائبين منذ أجيال يحتاجون أكثر إلى من يعبّر عن مشاكلهم الخاصة كمغتربين، مثل المعاملات، والضمانات، والروابط مع بلد الإقامة، وغيرها… وهي مسألة اعتمدتها فرنسا مثلاً، وخصصت لهم تمثيلاً خاصاً.
لقد تم اعتماد مقاربة مشابهة جزئياً في قانوننا الانتخابي، لكنها للأسف غير مكتملة. غير أن الخطابات الحزبية والشعبوية اللبنانية سارعت إلى اعتبار ذلك إنكاراً للديموقراطية، وإهانة للمغتربين، بل وخرقاً للقانون والدستور. هل يمكن فعلاً تصديق مثل هذه الاتهامات عندما يكون بلد رائد كفرنسا قد اعتمد هذه الإجراءات؟
المقاربة الهادئة يجب أن تركز على مصلحة لبنان ومغتربيه، ولهذا ينبغي أخذ مختلف المواقف والمخاوف بعين الاعتبار، ما دامت مشروعة، وأيضاً واقع حال الجاليات اللبنانية في الخارج.
وبالعودة إلى الأساسيات، فإن هناك ثلاثة قرارات تشكّل أساس أي حل عقلاني:
أولاً: التسجيل على اللوائح الانتخابية:
هو قاعدة النظام الانتخابي. فعلى كل ناخب أن يسجّل اسمه أولاً على لائحة انتخابية، وفي حالتنا هذه، إما لائحة بلدته الأصلية في لبنان ما يسمح له بالمشاركة في عملية انتخاب الـ 128 نائب، أو لائحة بلد الإقامة، أي في القنصلية اللبنانية الأقرب إليه ما يتيح له إمكانية المشاركة في عملية انتخاب النواب الستة.
ثانياً: الاقتراع بواسطة التوكيل:
من الضروري فتح هذا الخيار فقط لغير المقيمين الذين يرغبون بالاقتراع في دائرة ولادتهم. وهذا أبسط من أن نطلب من القنصليات، التي تعاني أصلاً من نقص في الموارد، أن تحتفظ بعدد كبير من السجلات. هكذا يتمكن الناخبون من الحضور إلى القنصلية في الموعد الذي يناسبهم دون أن يسببوا ازدحاماً يوم الانتخاب. ويُقبل فقط التوكيل الصادر عن السفارات في الخارج.
ثالثاً: للمسجّلين على لوائح قنصليات الإقامة:
يجب عليهم الاختيار من بين المرشحين للمقاعد الستة المخصصة للاغتراب. وهم في الغالب يعرفون هؤلاء المرشحين أو يتشاركون معهم نفس هموم الغربة واحتياجاتها الخاصة.
إن هذا الاقتراح، وبالإضافة إلى بساطته، له ميزة إرضاء العدد الأكبر من المغتربين، وقبل كل شيء، إنهاء جدل لا طائل منه.
*وزير سابق
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الإعلامية.