وداعاً لطفي لبيب… الجندي الذي تحول إلى ممثل بارز يضاهي الأبطال

وداعاً لطفي لبيب… الجندي الذي تحول إلى ممثل بارز يضاهي الأبطال

منذ بداية مسيرته الفنية، لم تتح للفنان لطفي لبيب (78 عاماً) مساحات البطولة، وبدوره لم يسع لأن يكون نجم شباك، مدركاً أن ملامحه لا تؤهله لأدوار الفتى الأول، لكنه بحث عن التأثير الصادق، وحفر بصمته المؤثر عبر حضوره اللافت وعمق موهبته، واستطاع سرقة الأضواء بخفة ظله وعفويته، إلى جانب قدرة واضحة على أداء الأدوار التراجيدية ببراعته نفسها في الكوميديا. ورغم أن شهرته الفنية جاءت متأخرة، استطاع أن يحتل مكاناً بارزاً على الساحة الفنية طوال عقود، خصوصاً في الكوميديا، وهو المقاتل القادم من خنادق الحرب، وأحد أبطال حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.
وعقب الإعلان عن وفاته ظهر الأربعاء في القاهرة، سادت حالة من الحزن العميق في الأوساط الفنية والثقافية وبين جمهوره ومحبيه، وتشيّع جنازته ظهر الخميس من كنيسة مار مرقس في مصر الجديدة (شرق القاهرة).

تأخر البداية… وتوهج متأخر
وُلد لطفي لبيب عام 1947 في محافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، وتخرج في كلية الآداب عام 1970، ثم لاحقاً درس في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1981. وانتصفت المرحلتان بمحطة مفصلية في حياته هي التحاقه بالجيش لمدة 6 سنوات أثناء حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وهي تجربة رغم ثقلها، وصفها بأنها شكلت وعيه الوطني والإنساني، وبلورت نظرته إلى الفن والحياة، ثم سفره إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث ساهم في تأسيس المسرح هناك، وجرى توثيق اسمه في موسوعة الشارقة تقديراً لإسهاماته.

 

الممثل الراحل لطفي لبيب. (وكالات)

 

كل هذه المنعطفات تسببت في تأخير انطلاقته الفنية، لكن ذلك لم يمنعه من المضي قدماً، ولم يحظَ بفرصة حقيقية إلا متأخراً، وحينما جاءت اقتنصها بكل ما في داخله من موهبة وتراكمات وتجارب. وشهدت فترة التسعينيات من القرن الماضي تصاعد شهرته عبر المشاركة في أعمال تلفزيونية وسينمائية مع كبار النجوم، أبرزها مسلسل “أرابيسك”، وأفلام “أرض الأحلام” مع فاتن حمامة و”النوم في العسل” مع عادل إمام، وغيرها.
تميز  لبيب بأسلوب تمثيلي يمزج بين الحضور الهادئ والكوميديا الطبيعية من دون الوقوع في فخ المبالغة أو النمطية أو السعي للاستظراف لاستدرار ضحك الجمهور، إذ كان يؤدي أدواره بعين المثقف، فخرجت شخصياته مزيجاً من خفة الظل والعمق الإنساني، ولعل ما عزز هذا التوازن الملحوظ في أدائه أنه كان قارئاً نهماً ومثقفاً واعياً، ومؤمناً بأن الفن الحقيقي لا ينفصل عن الوعي بالوطن والناس والتاريخ.

… جسر بين الأجيال 
اعتبر لطفي لبيب تميمة حظ مع كثير من نجوم الكوميديا الشباب، وقاسماً مشتركاً في أعمال الجيل الذي لمع نجمه مع نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، وأبرزهم محمد هنيدي وهاني رمزي وأحمد مكي وأحمد حلمي وكريم عبد العزيز، إذ شاركهم بطولة أنجح أعمالهم وبينها “جاءنا البيان التالي” و”عايز حقي” و”حرامية في تايلاند” و”أمير البحار” و”عندليب الدقي” و”عسل أسود”، وغيرها.
وتعتبر تلك مرحلة مفصلية في حياته وشهدت توهجه الفني وصعود نجمه، ليشكل عنصراً مهماً في الطفرة الكوميدية التي شهدتها السينما المصرية في تلك الفترة، ومثل جسراً بين جيلين، جيل الكبار الذين انتمى إليهم، وجيل صاعد من النجوم آنذاك يتسلم الراية من سابقيه.

 

لطفي لبيب خلال تكريمه في مهرجان الزمن الجميل في بيروت. (أرشيفية)

لطفي لبيب خلال تكريمه في مهرجان الزمن الجميل في بيروت. (أرشيفية)

 

لبيب وعادل إمام… علاقة وطيدة
كان لطفي لبيب من الذين فضل الفنان عادل إمام العمل معهم في السينما والتلفزيون مراراً، بينما اعتبر لبيب أن “الزعيم” مثل “مصلحة صك الدمغة”، إذ يرفع من قدر الممثلين معه، ويمنحهم دفعة نحو النجومية والانتشار، وأبرز الأعمال التي جمعتهما مسلسلات “صاحب السعادة” و”عفاريت عدلي علام”، وأفلام “النوم في العسل”، “بوبوس”، “زهايمر” و”السفارة في العمارة”، الذي جسد خلاله “لبيب” دور السفير الإسرائيلي في القاهرة، ورغم تحذير الفنان صلاح السعدني له، وكذلك محمد هنيدي من تجسيد هذا الدور؛ كي لا يفقد محبة الجمهور، اختار لبيب بحدسه الفني وجرأته التحدي ونجح نجاحاً فائقاً، واعتبر أحد أهم أدواره. ومع أنه جسد خمسة مشاهد فقط، إلا أنها أظهرته بطلاً أمام عادل إمام، وضاعف هذا الدور من أجره في الأعمال الفنية بزيادة بلغت 10 أضعاف، كما رفع من شعبيته ونجوميته على نحو غير مسبوق. 
كما أن تجسيده دور السفير الإسرائيلي يمثل مفارقة لافتة، وهو الذي حارب الإسرائيليين في الميدان وانتصر عليهم، وعقب هذا الدور، دعاه السفير الإسرائيلي في القاهرة لتكريمه لكنه رفض رفضاً قاطعاً، إذ لم يتخلّ يوماً عن مبادئه.

مواهب متعددة وانسحاب هادئ
لم تقتصر مسيرته على التمثيل فقط، فهو ممثل سينما ومسرح وتلفزيون وإذاعة، بلغت أعماله أكثر من 400 عمل، كما كتب عدداً من مسلسلات الأطفال، وأصدر كتاباً بعنوان “الكتيبة 26″، موثقاً خلاله تجربته كمجند في حرب تشرين، وعُد الكتاب شهادة إنسانية ومرجعاً عن تلك الحرب.

في السنوات الأخيرة، أعلن لبيب اعتزاله التمثيل، بعد إصابته بجلطة في المخ أثّرت على قدرته الحركية، وقال في لقاءات تلفزيونية إنه لن يقبل أي دور إلا إذا كان يناسب وضعه الصحي، مؤكداً أنه يرغب في أن يتذكره الجمهور وهو في أفضل حالاته.