ما مدى صحة الوثائق التي تم الاستيلاء عليها بعد ادعاءات اقتحام قسم شرطة المعصرة في مصر؟ النهار تستعرض الحقائق.

ما مدى صحة الوثائق التي تم الاستيلاء عليها بعد ادعاءات اقتحام قسم شرطة المعصرة في مصر؟ النهار تستعرض الحقائق.

نشرت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في مصر (فايسبوك) صوراً لوثائق بمزاعم أنّه “تم الاستيلاء عليها بعد اقتحام مكتب أمن الدولة في قسم شرطة المعصرة في مصر”. الا أنه توصلنا الى أن بعض هذه الصور مفبرك، متلاعب به، وشكّك خبير قانوني في صحتها، وأيضا في حصول اقتحام فعلي لمكتب المعصرة. FactCheck# 

“النّهار” دقّقت من أجلكم

فقد انتشرت على فايسبوك صور لوثائق زُعِم أنها تتضمن تفاصيل عن ملفات أشخاص أوقفوا أخيراً في مصر بتهمة الانتماء الى جماعة “الإخوان الملسمين” والتظاهر، وأنه “تم الاستيلاء عليها بعد اقتحام قسم شرطة المعصرة في جنوب القاهرة”. وقد أثارت جدلاً كبيرا في البلاد، وحصدت تعليقات ومشاركات كثيفة.

المنشور الخاطئ المتناقل (فايسبوك)

ولكن ما صحة ذلك؟

قاد أولاً التحقق الرقمي إلى أن بعض هذه الوثائق مفبرك وتم التلاعب به رقمياً. وهو ما يمكن تبيانه من خلال استخدام أربع أدوات رئيسية في عملية التحقق الرقمي: InVid لفحص السياق الرقمي، FotoForensics،
Forensically Beta لاكتشاف عمليات الاستنساخ الرقمي، وHex Editor لقراءة بيانات الصورة لكشف التلاعب العميق.

 

وضمّ المنشور المتداول أربع صور لسجلين (دفترين) عبارة عن غلاف وصفحة داخلية. لذا تم الاعتماد على تحليل الصفحتين الداخليتين، لما تتضمنان من بيانات تفصيلية يصعب كشف التلاعب فيها بالفحص البصري التقليدي.

 

المؤشر الأول: فحص مستوى الخطأ في الصورة (ELA)، والذي يشير إلى عدم التجانس في تكوينها.

 

وقد ظهر بوضوح وجود تباين لوني، إذ أن الصورة الأصلية غير المتلاعب فيها تكون فيها الظلال بلون واحد رمادي. ولكن فحص الصورة كشف ظهور لونين: الأزرق والأحمر الأرجواني الخفيف، بتباين واضح مقارنة بالسياق العام للصورة باللون الرمادي.

 

وهو ما يشير إلى أن مناطق التشويش ومستوى الخطأ مرتفع وغير متجانس، وطالت الأسماء وأنماط القضايا المطبوعة داخل السجل، وليس العلامات الصفراء أو المائية.

 

 

كذلك ظهرت في الصورة آثار تعديل بشكل مشوه وغير متسق (1)، وهي المناطق ذاتها في الصورة، والتي كشف الفحص الفني تعرضها لتعديلات “قص وطمس ولصق” (2)، بالإضافة إلى اختلال مستويات البصمة الرقمية في جزء من الصورة (3).

 

 

وفي الصورة الثانية، أظهر تحليل كشف التلاعب العميق، عبر أداة Clone Detection (كشف النسخ داخل الصور)، مؤشرا واضحا إلى حصول لصق ونسخ، يظهر في الخطوط الحمراء المتقاطعة والمتوازية (1). وهو ما تؤكده أيضاً النقاط المتوجهة البنفسجية (2).

 

 

 

وهذا يشير بشكل قاطع الى أن الصورة تم التلاعب بها رقميا من خلال عمليات نسخ ولصق، وأنها ليست صورة أصلية.

 

المؤشر الثاني: المعالجات والفبركة عبر Metadata، إذ كشف تغيّر صيغة الحفظ للصورتين من JPG إلى jpg، أنه تمت إعادة حفظهما بعد ادخال تعديل عليهما.

 

 

 

وهو ما أكده المؤشر الثالث للمعالجات والفبركة، عبر أداة String، إذ بيّن التلاعب في الصورتين، عبر برنامج Adobe Photoshop 3.0، وأوضح حفظهما أكثر من مرة، وهو يظهر بوضوح في تكرار JFIF إلى جانب وجود سلاسل رمزية مشوشة مثل: &&& #&&%%، الأمر الذي يشير إلى وجود عناصر بيانات غير مقروءة غالبًا ما تنجم عن إدراج طبقات أو فلاتر رقمية، وهو ما يعزز فرضية التعديل. (1) و(2) و(3)

 

 

 

المؤشر الرابع: تحليل الجداول الكمية”، والذي يرصد أيضاً التلاعب في الصور عبر جدولي أرقام، الأول خاص بالإضاءة (Luminance)، والآخر مرتبط بالألوان (Chrominance).

 

وفي حال كانت الصورة أصلية، يجب أن يكون هناك تناسق في أرقام الجدولين، إذ لا يوجد رقم شاذ أعلى من 140. وهو ما تفتقده الصورتان، إذ أن هناك رقم 276 في جدول الألوان، وهو رقم شاذ جدا يشير إلى حصول تحرير وتعديل انتقائي في مناطق معينة (1).

 

كذلك يتضمّن هذا التحليل قياس جودة الصورة، والتي يجب ألا تقل عن 90% إذا كانت أصلية. وهنا يظهر أن جودة الصورتان عند 65% فقط، الأمر الذي يشير إلى أنه أعيد ضغطهما بجودة أقل من حفظ الصور الأصلية. (2)

 

 

 

المؤشر الخامس والأخير: رصد التلاعب العميق في الصورتين، باستخدام أداة Hexed.it، وهو ما يمكن تبيانه في وجود تاريخ مستقبلي مشبوه وغير منطقي وهو: 14 آب/ أغسطس 2089، الامر الذي يعتبر مؤشراً إلى تلاعب واضح بالبيانات الوصفية للصورتين Metadata (1)، إذ من غير المنطقي أن يكون لصورة تم إنشاؤها في الوقت الحاضر أو الماضي تاريخ في المستقبل.

 

كذلك، تشير البيانات إلى أنه تم تعديل الصورتين من خلال جهاز Macintosh في 14 آب/ أغسطس 2023. ولكن كيف أن يكون لها تاريخ مستقبلي في عام 2089؟ وهذا يؤكد أيضاً التلاعب بالبيانات الوصفية للصورتين (2).

 

 

 

قراءة الوثائق… أدلة أخرى 

من جهة أخرى، تضمّنت قراءة الوثائق العديد من الأدلة التي يمكن الاستناد إليها في عملية التحقق. وقال المستشار وليد صالح، المحامي المصري أمام المحاكم الجنائية، لـ”النهار”، إن هذه الوثائق لا تعبّر عن الواقع في جهاز الأمن الوطني وطبيعة العمل فيه. 

 

وأوضح أن سجلات المتابعة تكون أسبوعية أو كل أسبوعين، وتتم عبر كروت من الأشخاص تحت الرقابة بعد انتهاء مدة سجنهم، وليس مع الجهات الأمنية.

 

وأكد أن طبيعة هذا السجل، بشكله المتداول، تكون مع فرد الأمن الذي يقف على البوابة، وهي أشبه بسجل الزيارات للقسم أو المكتب، مشيراً إلى أن العمل في مكاتب أمن الدولة ليس يدويا، وله مسار إلكتروني محدد ومعروف.

 

وبالنسبة إلى الحصول على هذه السجلات، أشار المستشار صالح إلى أنه يمكن طباعته في أي مكان، خصوصا أنه لا يتضمّن أي علامات خاصة بالجهاز الأمني، وهو ما يفسر الخطأ في طبعة الشهور، كما في السجل المتداول.

 

وفي ما يتعلق بالفيديو المتداول، قال إن اقتحام قسم المعصرة ومكتب الأمن الوطني الملحق هو أمر مشكوك فيه. واستند في روايته إلى أن تصميم المكتب الذي تم التصوير فيه وديكوره يتشابهان مع العديد من المكاتب المدنية غير الأمنية.

 

كذلك، لا يحمل المكتب أي شعار أو علامة مميزة تبين انه يتبع جهاز الأمن الوطني، فضلا عن أن المنطقة التي تحيط بقسم المعصرة في حلوان (جنوب القاهرة) تضم قوات أمنية ضخمة تعمل على تأمين مجمع طره، وأيضاً طريق الأوتوستراد، أبرز الطرق الحيوية في العاصمة، فضلا عن وجود مكتب مكافحة الإرهاب الدولي بالقرب من القسم.

 

ولفت إلى أن زعم وقوع هذا الاقتحام في منطقة المعصرة بالقرب من حلوان يتسق مع إحباط محاولة عودة عناصر تنظيم “حسم” الإرهابي للنشاط مجددا قبل أسابيع، إذ تم الإعلان للمرة الأولى عنه في منطقة حلوان بعد صورة 30 يونيو وإطاحة حكم جماعة الإخوان الإرهابية.

 

نفي رسمي… وتحريض “إخواني” على ثورة دينية 
وكانت وزارة الداخلية المصرية أصدرت، في 26 تموز/يوليو الجاري، على لسان مصدر أمني، وقوع هذا الاقتحام.
وأكد البيان أن “مقطع الفيديو الذي تم تداوله في عدد من الأبواق الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية بشأن احتجاز ضابط بأحد أقسام الشرطة بالقاهرة، مفبرك”.

 

وشدد على أن الوثائق التي تم تداولها في الشأن ذاته لا تمت بصلة الى الواقع، وتم ضبط القائمين على إعدادها وترويجها وجاري اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم”.

وقالت وزارة الداخلية المصرية إن هذا الزعم “يأتي في إطار ما دأبت عليه الجماعة الإرهابية من تزييف الحقائق وترويج الشائعات للنيل من حالة الاستقرار، التي تنعم بها البلاد، وهو ما يعيه الشعب المصري”.

 

 

 

على صعيد آخر، أصدرت جماعة الإخوان المصنّفة إرهابية في مصر، بيانا على حسابها في فايسبوك، منسوبا لما يسمى “تيار التغيير” الذي انبثق عنه “تنظيم حسم” الإرهابي، بياناً في 27 تموز/يوليو حرّض على إشعال “ثورة دينية” ضد الدولة المصرية. وقال البيان إن “الثورة المصرية فريضةً تحررية، وفرصة تاريخية وضرورة حتمية للتحرر من الفساد والاستبداد والتبعية وبناء نظام يُحقق مقاصد الشريعة الإسلامية”.

 

وتابع: “في سبيل ذلك، يتعيّن عليها أن تُحقق متطلبات نصرها، وأن تتخلص من معوقاته، وأن تجمع كلمة الثوار وتوحد جهودهم في مجالات العمل، وعلى مراحل الانتصار، مع أخذ تاريخ الثورات وتجارب الشعوب في الاعتبار”.

 

وشدد على أنه “يجب العمل على تحصيل مقومات استحقاق هذا النصر من خلال تجديد الخطاب، وتغيير الأفكار، وتحديث البرامج وتطوير الهياكل والآليات، بما يتناسب مع التضحيات المبذولة والتحديات القائمة، ويتوافق مع الأهداف المنشودة وتحت الراية المرفوعة دعوة وأمة”.

 

 

 

الخلاصة: هذه الوثائق المتداولة لا تمت الى الواقع بصلة، حتى أن طبيعة السجلات المتناقلة ليس لها دور رئيسي في العمل الأمني بالجهات المعنية، وفقا لما تبين. وقد أمكننا اظهار ان بعض الصور مفبركة، وفقاً للتحقق التقني الفني، وتم التلاعب بها رقميا منذ عام 2023.