ما هي هذه الأيام التي وصلنا إليها… وأين الأيام بدون زياد الرحباني؟

سارة الدّنف
المرمدة فارغة، والليل على حاله في عتاب دائمٍ، الّا أن رائحة الدخان ملازمة للأجواء، ففي الأفق، هناك من “يولّع كتير، وخلّص الكبريتة”. فللصمت في لياليّ صوتك الدّائم، زياد، ولحن من أمل، أحتال على نفسي كي تصدّقه.
أنت تعلم بلا ريب، كيف نحبّك. كلُّ بأنانية صراعاته، الّتي تتقن وحدك ترنيمها. ولنفسي، جعلتك الوهم الذي اتكأت عليه، يوم صدّقتك فأحببت الغربة، بجيب فارغ، و”بلا ولا شي”. عندما قرّرت أن أكون الفتاة الـ”عايشة وحدا بلاه”، هو الذي لم ينوجد، أو غادر يوم غادرت أنت. وتلك الّتي تنتظر ببساطة، أن تتمادى في “استفزازه، كي يترجّاني”، و”يترّجى ربّي”… ويريدني.
أرأيت؟ يصعب عليّ اكمال جملة دون اقتباس منك. لكنّني أردت أن أعطيك رغم ذلك، شيئاً من حزنٍ يخصّني. فهل سمعت رثائي الذي أرسلته لك عبر الأثير؟ أم أنّك مللت “الراديو” وثرثرته غير المجدية، فأَقفَلتَهُ، رغبةً بنسيان “جهنّم العسل” التي نعيش فيها؟ صارحني، هل كان الفقد من قتلك، كما قلت، فعاقَبتَنا به إلى الأبد؟
أفهمك، فأنا لا أملك بعد الآن ما أقوله “بخصوص الكرامة والشّعب العنيد”، لأنني مثلك، ومثل كثيرين، أصبحت على يقين أن هذا العصر ما عاد يليق بالمتمرّدين، ولا الكلمة الحرّة. فالكرامة، غيّرت مجراها، والشعب، يرثيك، من دون أن يفهمك، يسمعك، ولا يطبّق شيئاً ممّا تقول، “بيشرب قهوة هلقد” ولكن حتّى معك، وبعدك، لم “يصحصح”.
هذا العصر الغريب، الذي شرّد أكثر من يشبهك الى بلاد المهرّج البرتقالي، وأرسلك أنت، الى “الجنّة أو جهنّم” ما بعرف، لأنّني “مش شايفة ولا وحدة من الاتنين”، لكنّني رأيتك أنتَ، رفيقاً لنضالي يوم حَسَمتُ أنني شيوعيّة، وفي ما بعد أغنية “عندي ثقة فيك”، أن تعبّر عن فوضاي، كلّما أردت، والرّفاق، لا يغادرون، بل يغيبون موقّتاً، مثل الأغاني.
لا أعلم صدقاً إن كنت قد رحلت بالفعل، أم أن “هذه المزحة” ستنتهي يوماً ما، لكنّني متأكدة أن جزءاً من ذكرياتنا لن يعود، وأن البلاد التي فُرِّغت من معانيها لم تعد تتسع لحدادٍ وطني يلائمك.
تَعِبْتَ، ومن حقّك أن تتعبَ من مكان لم يتغيّر منذ المرّة الأولى الّتي سألته فيها “بالنسبة لبكرا شو؟”، فهذا “البكرا” لم يتبدّل، حاله حال الكابوس الأميركي الطويل الّذي بات يسيطر على كل ما حولنا.
أن تغادر هكذا بعد يوم من عودة جورج عبدالله… أليست هذه العدمية التّي تغار منك، فتتبنّى سخريتك بأقهر صورة؟ لم أرَ أوقح من هذه “المصادفة”، من قدرٍ يُثبت لي كلّ مرّة كم أنه هو الآخر متواطىء ضدّ الأمل. وإن كان ذلك فِعلَ “الهٍ”، له من خلفه حكمة، فبئس الحكمة، وبئس الحياة. وان رفضت أن تنعت نفسك بالكافر، ملصقاً الكفر بالجوع، فمن جهتي أنا، الّتي لم يعد “الله صديقها” منذ زمن، مستعدّة للكفر بكل الديانات التي تتيح لهذه البشاعة أن تستمر!
أن يموت زياد، ولا تموت المجاعة؟ أن يموت زياد ولا تموت الطبقيّة؟ أن يموت زياد ولا تموت الطائفية؟ أن يموت زياد ولا يموت الاحتلال؟ لماذا؟
“لأنو السعادة محرّمة، والحرية وهم، والفرحة ما بحياتها بتكمل”…
كيف تكون اليسارية من دونك، لمن لم تعش دخّان الحمرا وتبغها مثلي؟ كيف يكون النّضال، والحب غير المشروط، والحلم، و”الصراحة، اللي بتجرح بس بتفيد”، في عالمٍ يسيطر عليه الكاذبون، والقَتَلة، والمجرمون، وعديمو الفنّ؟ من يجرؤ بعدك على تعرية الشاشات من زيفها، فـ”الليلة ليلتك”، وانتَ تقول ما يفكرون فيه، ويخذلهم ابتذالهم.
“هيدي هي الأيام اللي وصلنالا”، أيام يستشري فيها الغني بتدمير الفقير، والمصاري، آخذة بالصعود والتمادي، أيام “بلا زهر بتلي الحقول”، لكن حنينها لك “مش معقول يزول”…