تشريعات الذكاء الاصطناعي: متى ستتحدث القوانين العربية بلغة التكنولوجيا؟

تشريعات الذكاء الاصطناعي: متى ستتحدث القوانين العربية بلغة التكنولوجيا؟

كيف يمكن حماية ضحايا أخطاء الذكاء الاصطناعي من دون الإضرار بالابتكار؟ سؤال يفرض نفسه بقوة مع تسارع تبني هذه التكنولوجيا عالمياً، واندماجها في قطاعات حساسة كالرعاية الصحية والتمويل والخدمات العامة. وبينما وضعت أوروبا إطاراً قانونياً صارماً لضمان حقوق المتضررين وتقليل المخاطر، لا تزال منطقتنا العربية تبحث عن نموذج تشريعي يوازن بين حماية الأفراد وتشجيع الابتكار، في وقت يتجه فيه بعض الدول لتبني استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة.

ويؤكد عيسى المعاني، المحامي والمستشار القانوني المتخصص في القانون التجاري وتنظيم البيانات والذكاء الاصطناعي، في حديث الى “النهار”، أن التجربة الأوروبية تقدّم دروساً مهمة يمكن الاستفادة منها عربياً، لكنه يشدد على ضرورة صوغ مقاربة تتناسب مع خصوصية منطقتنا. ويرى أن التأخير في وضع الأطر القانونية الواضحة قد يؤدي إلى مشكلات مستقبلية معقدة، خصوصاً مع توقعات زيادة الاعتماد على الأنظمة الذكية في الخدمات الحكومية والقطاع الخاص خلال السنوات المقبلة.

 

“المسؤولية المفترضة”… حماية أوروبية للضحايا
“القانون الأوروبي حسم المسألة لمصلحة المتضررين”، يقول المعاني وهو يشرح مبدأ “المسؤولية المفترضة” (rebuttable presumption of causality)، الذي يُحمّل المطوّر تبعة الأضرار بشكل افتراضي ما لم يثبت العكس، وهو ما يسهّل على الضحايا الحصول على تعويضات في حال وقوع أخطاء تقنية.

 

لكن قلة البيانات المتعلقة بحوادث الذكاء الاصطناعي تجعل من الصعب على شركات التأمين تقدير المخاطر بدقة، وهو ما يخلق فجوة كبيرة بين الضحايا والمؤسسات الضامنة. ولهذا يرى المعاني أن التأمين الإلزامي بات خطوة لا غنى عنها: “فهو يضمن تعويضاً شاملاً للضحايا ويدفع الشركات إلى جمع بيانات موسعة، مما يمكّن قطاع التأمين من وضع أسعار عادلة ويخفف الأعباء عن المتضررين.

 

الشفافية شرط أساسي… و”تفسير القرار” إلزامي


التشريعات الأوروبية لم تكتفِ بوضع آليات التعويض المالي، بل فرضت أيضاً أنظمة التفسير القابلة للفهم (Explainable AI). يوضح المعاني أن هذه التقنية تشكّل حجر الزاوية لأي تنظيم قانوني فعال: “فهي تكشف آلية اتخاذ القرارات الآلية وتمنح المتضررين حق طلب تدخل بشري فوري، مما يعزز الثقة العامة في هذه الأنظمة ويجعل إثبات المسؤولية القانونية أكثر وضوحاً”.

 

حماية الحقوق دون إعاقة الابتكار


ويحذر من أن الإفراط في تحميل الشركات المسؤولية قد تكون له نتائج عكسية: “تحميل الشركات المسؤولية كاملة قد يؤدي إلى رفع أكلاف التشغيل بشكل يضر الابتكار، وهو ما دفع شركات كبرى الى رفض التوقيع على مدونة الممارسات الأوروبية”.

 

ويقترح تبني مبدأ المسؤولية المشتركة (shared liability)، الذي يوزع المسؤولية بين جميع الأطراف المعنية: “المطوّر، والمشغّل، والمستخدم النهائي”، إلى جانب حوافز ضريبية ومنح خاصة لدعم الشركات الناشئة حتى لا تتحول التشريعات إلى عائق أمام التطوير التقني.

 

خطوات عربية مهمة لكنها متفرقة
ويرى المعاني أن منطقتنا العربية بدأت تخطو خطوات مهمة، لكنها لا تزال متفرقة وتفتقر إلى إطار موحد: “الأردن أطلق مدونة أخلاقيات عام 2022، والبحرين أصدرت قانوناً شاملاً في نيسان / أبريل 2024، والسعودية تعمل على تنفيذ رؤيتها 2030 التي تولي الذكاء الاصطناعي أولوية واضحة”.

 

ويضيف: “أما الإمارات، فتُعد من الدول الرائدة في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وقد أعلنت عن خطط متقدمة لتشريعات مستقبلية تدعم الابتكار وتعزز مناخ الأعمال التكنولوجي، وهو ما يجعلها نموذجاً يمكن البناء عليه في المنطقة”. ويشدد على أن التعاون الإقليمي وتأسيس هيئات إشرافية مستقلة هما العاملان الحاسمان لضمان نجاح أي إطار قانوني مشترك.

 

سؤال ينتظر إجابة عربية واضحة
ويختتم المعاني حديثه بالتأكيد على ضرورة الإسراع في حسم هذا الملف: “التحدي الحقيقي يكمن في صياغة إطار قانوني متوازن يشجع الابتكار ويحمي المتضررين في الوقت نفسه، من دون أن يتحول التأمين الإلزامي إلى عبء يعوق تطور هذا القطاع الحيوي”.