ترامب يعترف بـ’الجوع الحاد’ في غزة: هل يفتح ذلك الباب لمؤتمر نيويورك حول حل الدولتين؟

ترامب يعترف بـ’الجوع الحاد’ في غزة: هل يفتح ذلك الباب لمؤتمر نيويورك حول حل الدولتين؟

من المرات النادرة التي يخالف فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هي تلك التي أقر فيها بعد لقائه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في اسكوتلندا الإثنين، أن ثمة مؤشرات لـ”مجاعة حقيقية” في غزة، وأن الولايات المتحدة وأوروبا، ستطلقان برنامجاً لإيصال المساعدات الغذائية إلى القطاع.      
على الأرجح أن ستارمر، الواقع تحت ضغوط قوية من نواب حزب العمال، الذي يتزعمه للاقتداء بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سيعترف بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر، قد أثر في موقف ترامب، فدفعه إلى الإشارة إلى الجوع المستشري في غزة، وإلى الحاجة لفعل شيء ما لإرسال مساعدات إنسانية إلى القطاع. وقد اعترفت منظمتا “بتسليم” و”أطباء من أجل حقوق الإنسان” الإسرائيليتان للمرة الأولى، بأن أفعال إسرائيل في غزة ترقى إلى التعريف القانوني للإبادة.
لا يزال من غير الواضح ما الذي سيفعله ترامب لوقف زحف المجاعة في غزة. هل يبعث بمساعدات عبر الآلية الإسرائيلية المتمثلة بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” التي فاقمت معاناة الغزيين من طريق تحولها إلى أداة للقتل، أكثر منها وسيلة لتخفيف الأزمة الإنسانية؟ أم هل يلجأ إلى إسقاط مساعدات من الجو، عملية ثَبُتَ عدم نجاعتها في إحداث أثر إيجابي؟ أم يعود إلى فكرة الجسر البحري الفاشلة لسلفه جو بايدن؟ أم يسلم بأن الأمم المتحدة ومنظماتها هي الوسيلة الفضلى لقيادة عملية توزيع المساعدات؟   
على رغم الأولوية القصوى والملحة لإيصال الغذاء إلى الغزيين، فإن ترامب لا يزال يقيم فصلاً بين زيادة المساعدات الإنسانية والجهود المبذولة لوقف النار أو البحث عن حلّ مستدام في غزة.     
وهو بذلك يسير عكس التحرك الدولي المتصاعد للبحث في جذور الحرب، على غرار مبادرة ماكرون التي عززها المؤتمر الدولي لحل الدولتين، الذي رعته فرنسا والسعودية في الأمم المتحدة بنيويورك في اليومين الماضيين.    
ومنذ البداية، لم يقم ترامب وزناً للتحرك الدولي الجاري حالياً، ورفض فكرة ربط توسيع الاتفاقات الإبراهيمية بالتوصل إلى وقف للنار في غزة وإحياء مسار الحل السياسي للصراع العربي – الإسرائيلي. وهو ينحاز بالكامل إلى رأي نتنياهو القائم على “السلام من طريق القوة”.   
وبذلك، هناك تصادم الآن بين رؤيتين: رؤية إسرائيلية تعتبر أن القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري أو الطوعي وضم غزة والضفة الغربية وإنشاء مناطق منزوعة السلاح في سوريا ولبنان، هي السبيل إلى السلام الذي يضمن أمن إسرائيل على المدى البعيد. ورؤية عربية – أوروبية قائمة على أن حل الدولتين، هو الذي يضمن تحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.

إن انحياز أميركا إلى أي من الرؤيتين، سيؤثر في مستقبل الأحداث في الشرق الأوسط لأجيال مقبلة. ووقت تتآكل السردية الإسرائيلية للصراع من شأنه زيادة مستوى الضغوط على الإدارة الأميركية كي لا تنجرف إلى موقف يتماهى مع موقف نتنياهو الذي يعتبر أن اعترافاً فرنسياً محتملاً بدولة فلسطينية “سيشكل منصة لإبادة إسرائيل”.   
منذ 21 شهراً تقود إسرائيل حروباً في غزة والمنطقة، حققت لها مكاسب عسكرية كبيرة، لكن قادتها في الوقت نفسه إلى إخفاق استراتيجي وديبلوماسي وإنساني، وفق ما تستنتج صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية. وتنقل الصحيفة عن المحلل الإسرائيلي والضابط السابق في جهاز الاستخبارات مايكل ميلشتاين قوله: “إنه الإخفاق الكامل”.   
بين مؤتمر نيويورك وما يجري في غزة، مساران متناقضان تماماً. مسار حل الدولتين، أساسه أن الصراع العربي – الإسرائيلي لم يبدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بينما المسار الثاني يربط بقاء إسرائيل لا يتأتى من السلام مع الفلسطينيين، وإنما من القدرة الدائمة على خوض الحروب الأبدية.