تونس والاتحاد الأوروبي: علاقة بعبارات مختصرة

لم تشهد الذكرى الثلاثون لتوقيع اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي أي احتفاليات تذكر.
تَذكّر الحدثَ أساساً الديبلوماسيون المعنيون بالاتفاق. من بين هؤلاء سفراء الاتحاد الأوروبي الذين أصدروا بياناً ذكّروا فيه بأهمية هذا الاتفاق الذي كان عند إبرامه سنة 1995 الأول من نوعه بين المجموعة الأوروبية وإحدى دول المغرب العربي. قال السفراء في بيانهم إن هذا الاتفاق “شكّل منعطفاً تاريخياً في العلاقات بين تونس وأوروبا، وأرسى أسس شراكة استراتيجية واقتصادية وسياسية وإنسانية”.
ما تحقق على أرض الواقع تأثر كثيراً بما استجد خلال العقود الثلاثة الماضية، وهي مرحلة تغير فيها الاتحاد الأوروبي كما تغيرت تونس. واجه الاتحاد الأوروبي بعد 1995 تحديات عديدة منها توسع هذه المجموعة نحو شمال القارة وشرقها ووسطها وكذلك انسحاب بريطانيا من عضويتها، وتراجع الدور الأوروبي أمام تزايد الهيمنة الأميركية وصعود قوى اقتصادية مثل الصين والهند. لكن المشهد الأوروبي تأثر لاحقاً بعاملين أساسين هما الحرب الروسية في أوكرانيا وأزمة الهجرة غير النظامية التي أجّجها تدفق مئات آلاف المهاجرين من سوريا سنة 2015، في ظاهرة لم يتردد أقصى اليمين في استغلالها. كذلك تغيرت تونس كثيراً بعد 1995. عند إبرام اتفاق الشراكة كان الغرب ينظر إلى تونس على أنها “التلميذ النجيب” من حيث مؤشراتها الاقتصادية، لكن الإصلاحات المنجزة لم تستطع امتصاص البطالة ومظاهر التفاوت بين الجهات والتي أدت إلى انفجار الأوضاع وسقوط نظام بن علي سنة 2011. لم تنجح المنظومة التي وصلت إلى السلطة بعدها في إنعاش الاقتصاد وتجاوز المصاعب الاجتماعية رغم دعم الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية لها.
مع خيبة الأمل الأوروبية، انحسر الاهتمام تدريجاً بمكافحة الهجرة غير النظامية. وتجسد ذلك في مذكرة التفاهم التي أبرمت بين تونس والاتحاد الأوروبي سنة 2023. شملت المذكرة أوجهاً عديدة للتعاون، ولكن الاهتمام الأوروبي انصب على ملف الهجرة دون غيره. وتقول الباحثة الأميركية سارة يركس إن “جوهر العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي يتلخص حالياً في ثلاث كلمات: وقف تدفق المهاجرين”. يرى بعض المحللين الغربيين اليوم أن “المصالح الاستراتيجية” قد حلت محل “القيم المشتركة” أساساً للعلاقات بين الطرفين. لكنه ليس من الواقعي الزعم اليوم أنه كان هناك بالفعل حرص على “القيم المشتركة” بين ضفتي المتوسط. كانت المصالح دائماً سيدة الموقف. حتى أيام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي كانت هذه “القيم” مجرد واجهة لا تكاد تغطي محاولات الضغط الأوروبية ولاسيما منها تلك المرتبطة بملف الديموقراطية وحقوق الإنسان، وما تفرع عنها من محاولات لتطويع سياسات بن علي.
مرت محاولات الضغط السياسي بمراحل مد وجزر، وفي الأثناء لم يشكل الاتحاد الأوروبي إطلاقاً رؤية استراتيجية واضحة في ما خص علاقته بتونس. كان توجهه الاستراتيجي دوماً نحو شرق القارة. فبعد تخصيصها للمليارات لإدماج بلدان المعسكر الشرقي خلال الثمانينات توجهت أوروبا خلال الأعوام الأخيرة إلى الإنفاق بلا حساب على الجهد العسكري لمواجهة الغزو الروسي في أوكرانيا. وبقي درء الهجرة والإرهاب بوصلة العلاقة مع شمال إفريقيا.
تبدو اليوم المقاربة التونسية الرامية الى تنويع الشراكات مشروعة وضرورية، ولكنها لا يمكن أن تقلل من قيمة الشراكة مع أوروبا وضرورة تطويرها. فلا يمكن لتونس أن تغفل عن أن الاتحاد الأوروبي هو وجهة 70 في المئة من صادراتها وحوالى 85 في المئة مما تتلقاه البلاد من استثمارات أجنبية مباشرة. لكن لا يضير العلاقة إن كانت المصالح بالأمس أو اليوم هي أساسها.