ماذا عن غدٍ؟ | النهار

ماذا عن غدٍ؟ | النهار

محمد عبد الله فضل الله 

 

 

 

لاغرو أن أصحاب النبوغ الموسيقي أو الشعري أو المسرحي أو الفن عموماً باتوا بمنزلة الأنبياء عندما أتقنوا سر الكلمة والتبشير بها بمهارة تعزز المعنى وتعمق الشعور الإنساني وترتقي به.
زياد الرحباني هو من هؤلاء الذين تسلحوا بالموهبة الفذة وسيَّلوها قضية حملت خشبة خلاص وطن بأكمله، وهموم شعب يبحث عن صدقية موقف وعن صدق شعور وكلمة، أطلق صرخة مدوية علّها تهز الضمائر “بالنسبة لبكرا شو”؟ 
لاعناً الصمت والموات والتجمد عند حدود معينة والاستكانة للواقع المأزوم بل داعياً إلى الفعل المؤثر والتخطيط والعمل الجدي للغد.

 

 

 

لم تكن هذه الموهبة إلا تجليات انبعثت من صميم التحديات والعذابات التي تحتوش الكبار  ولم تكن تعيش في رفاهة وحياة ناعمة راضية، بل اندكت مع حاجات الناس اليومية والمصيرية في كرامتها وحريتها ورغيفها وأحلامها وآمالها .
بذل ما بوسعه فمنحه هذا الوسع تألقاً كنجمة تتكىء على أكتاف المقهورين، وكيف لا تتألق هذه النجمة وبريقها حر النفس والإرادة ينشد تغيير الحال ويرفض الواقع المتلون؟
الفرادة والإبداع والتميز ليست مكسباً شخصياً أراده زياد بل وسيلة تأثير وتغيير، وليس النقد الاجتماعي والسياسي عنده ترف بمقدار ما كان مبضعاً يشّرح فيه عقد المجتمع ويعري أمراضه، فاستطاع بتجربته الغنية أن يظهر تناقضات الواقع بأسلوب نقدي ساخر ملتصق بلغة البشر العاديين.
هو ليس كافراً ولكنه يكفر بسلوكيات أهل زمن يباعون ويشترون في سوق الأمم، فاضحاً سرّاق اللقمة والكرامة ليس على طريقة الوعاظ بل باللغة البسيطة المعبّرة الملامسة لجراحات الناس والتي لا تحتاج إلى تفكيك وكثير عناء لتلقيها.  
زياد سكن في ذاكرة أجيال كابدت هموم الحرب وعاشت آمال الخلاص وسيبقى ساكناً في وجدان الناس وأحلامهم بواقع جديد.
زياد صاحب الفكر الحائر والمتمرد وصاحب المشارب المعرفية والفنية المتنوعة لن تغيب دقة ملاحظته لواقعنا وستبقى صرخته “بالنسبة لبكرا شو؟” مدوية تستفزنا حتى ننعتق من الملوثات والمقيدات ونسافر عبر مواجيد متحررة وحرة تلعن كل صخب مادي يحاول سرقة كرامتنا ولقمتنا التي غناها زياد وعاش بها ولها…