قلقٌ يسير منفرداً | النهار

أحلام محسن زلزلة
أرادَ الموتُ أنْ يكونَ لهُ شأنٌ عظيمٌ، فاختارَكَ يا زياد…
رَحلَ الوجَعُ المُقاوِمُ
بعدما أرخى ظِلالَهُ على البيانو الدّامع بآلامِ الوَطنِ،
بعدما أشعلَ ثورةً عَلى خَشبة نَهَضَتْ بقلبِ الشّارعِ وجُروحِ البُسطاء.
حَمَلْتَ عِبْءَ الإنْسانِ
ساخرًا حينَ غَصَّ باليأسِ،
ساخِطًا حينَ غاصَ بالحُزنِ.
أسدلَ الموتُ السّتارَ على مَشْهَدِكَ الأخيرِ لكنّ المسرحيةَ ما زالتْ تجترُّ العُروضَ الهَزلية، في نَقلِ ابتسامةِ القَدَرِ بالمَرارةِ نفسِها.
هذهِ المرّة لم يكنِ الموتُ ذكيًّا كفايةً لِيُطفِئَ كوكبًا لامعًا
في فَضاءِ العُقولِ وفي جُيوبِ الزَّمَنْ.
لَقَدْ تَصالحْنا معَك في تَمَرُّدِكَ،
وجُنونِكَ، ومرارتِكَ التي فجّرتْ ضِحكَنا…
ومرارتَنا.
لكنّ ما اختلَفْنا فيهِ معكَ
توقيتُ الرّحيلِ المُبْكِرِ،
وتَركُ مَسرحيّةٍ منَ الدّموعِ الحزينةِ
بَطَلَتُها شَمْسُ الحُبِّ فيروز.
كيفَ نُودّعُك؟
إنْ كُنتَ صوتَ وَجعِنا وَعَصْفَ قُلوبِنا؟
ضحِكْنا طويلًا
حينَ كُنتَ تَبكي بالكلامِ،
وسنبكي طويلًا
حينَ ستَضحكُ بِصَمْتٍ في عُمْقِ الإِبداعِ والعَبْقَرِيَّة.
هَلْ هِيَ مَزْحَةٌ أنَّكَ أَصْبَحْتَ خارِجَ الحَياةِ
أَمْ أنَّكَ تَخَلَّصْتَ مِنْ حَياةٍ أَتْعَبْتَها كَثيرًا، وَأَتْعَبَتْكَ كَثيرًا؟
كَمْ أَنْزَلْتَ مِنْ أَحْمالٍ عَنْ كَتِفَيْكَ،
وَوَقَفْتَ في نِهايَةِ رِحْلَةِ العَذابِ،
في زَمَنٍ ضائِعٍ، في مَهَبِّ الهَشاشَةِ وَالبَلادَة.
وَتَرَكْتَنا نُتابِعُ فِيلْمَ العَذابِ المُسْتَمِرِّ المَشْروطِ بِرَجْمِ الوَطَنِ،
وَتَمْييعِ الَّذينَ يَحْمِلونَ في عُقولِهِم ثَمَرَةَ فَهْمٍ واحِدَة.
بِالكادِ اقْتَنَعْنا أَنَّ الفَهْمَ يَأتي مِنَ الرَّأْس،
بِالكادِ شَهِدْنا مَنْ ارْتَدى لِباسَ الكَرامَةِ
فَتَمَنَّيْنا لَوْ لبسوا رَأْسَكَ ورداءك، أَو فَكَّروا بِسَرِقَتِهِا لِكَسْبِ جَوْلَةٍ جَدِّيَّةٍ في العَبْقَرِيَّة!
هَنيئًا لَكَ!
ارْتَحْتَ مِنَ التّافِهينَ، المُتَسَلِّقينَ أَسْوارَ الحَماقَة!
مِنَ الدُّعاةِ الضّارّينَ بِأُمَمِهِم، الهالِكينَ في الانْحِدارِ بِرُؤوسِهِمْ إِلى الأَرْذَل.
أَمَّا اليَوْم، فَكْنتَ النِّهايَةُ!
لَنْ نَراكَ مَعَ النَّجْمِ،
لِأَنَّ النَّجْمَ أَرادَ عُلُوًّا، فَجَعَلَكَ سَماءَه.
لَمْ نَرَكَ مُنْدَسًّا فِي الأَرْضِ،
بَلِ الأَرْضُ أَرادَتْ طُهْرًا فَجَعَلَتْكَ جَسَدَها.
وَتَرَكْتَنا نَدورُ في التَّيّارِ الأَميرِكِيَّ الطَّويلَ الَّذِي عَرَفْتَ وَحْدَكَ نِهايَتَهُ (لا نِهايَةَ لَهُ)…
وَأَمَّا لِـ “بُكْرَة”،
لَنْ يَسْكُتَ الصَّوْتُ الَّذِي يُشْبِهُنا،
وَالنَّغَمُ الَّذِي يُشْعِلُ وَجَعَنا.
وَالمُقاتِلُ عَلى الخَشَبَةِ، لِأَجْلِنا.
وَداعًا، زِياد…
ما زِلْتَ قَلَقًا يَسيرُ وَحْدَهُ في الطُّرُقاتِ يَبْحَثُ عَنِ الجَدْوى،
وَغِيابًا يَجْعَلُ السُّؤالَ أَكْثَرَ حُضورًا مِنَ الجَوابَ.