تحولات أمنية في وزارة الداخلية المصرية: بين التطوير المهني والتفسيرات السياسية

تحولات أمنية في وزارة الداخلية المصرية: بين التطوير المهني والتفسيرات السياسية

حظيت حركة الترقيات والتنقلات التي أعلنتها وزارة الداخلية المصرية باهتمام غير معتاد، وسرت بشأنها شائعات وتفسيرات متعددة، وخصوصاً أنها جاءت بعد نحو يومين فقط من انتشار مقطع فيديو مثير للجدل، زُعم فيه أن مجموعة من الشباب اقتحمت قسم شرطة المعصرة جنوب القاهرة، واحتجزت ضابطاً للمطالبة بفتح معبر رفح من الجانب المصري، لإدخال مساعدات إلى سكان قطاع غزة.
ونشرت الوزارة بياناً أكدت فيه أن “مقطع الفيديو الذي تم تداوله عبر عدد من الأبواق الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية (…) مفبرك، وأن الوثائق التي تم تداولها في السياق نفسه لا تمتّ للواقع بصلة”. إلا أن صفحات ومنصات موالية للجماعة سارعت إلى الربط بين حركة التنقلات، التي أُعلن عنها السبت، وواقعة اقتحام القسم المزعومة.

أخطر التحديات
يقول الخبير الأمني اللواء إيهاب يوسف، في تصريح لـ”النهار”، إن “حركة الترقيات والتنقلات الأخيرة جاءت في موعدها السنوي المعتاد، وتهدف إلى تحقيق المستهدفات الأمنية والتكنولوجية للوزارة، وضخ دماء جديدة قادرة على تحقيق نتائج أفضل”.

ويشير يوسف إلى أن “اختيار القيادات الجديدة يأخذ في الاعتبار القدرة على مواجهة أحد أخطر التحديات التي تواجه الدولة، وهو سيل المعلومات والأخبار المضللة، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنتاج صور ومقاطع فيديو يصعب على غير المتخصصين تمييزها عن الحقيقة، إلى جانب النشر الممنهج عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه التحديات تستدعي قيادات أمنية متمكنة تكنولوجياً، وقادرة على التعامل مع هذا الواقع الجديد”.

ويؤكد خبراء في شؤون الإسلام السياسي وتكنولوجيا المعلومات، تحدّثت إليهم “النهار”، أن “جماعة الإخوان تبث كمّيات هائلة من المعلومات المضللة، بعدما فقدت قدرتها على التحرك الميداني، ولم تعد قادرة على تنظيم التظاهرات، فيما قضت أجهزة الأمن المصرية على التنظيمات والعناصر المسلحة التي كانت تراهن عليها الجماعة لاستعادة السلطة التي فقدتها في 30 حزيران/يونيو 2013”.

ويضيف اللواء يوسف أن “تصدي الأجهزة الأمنية لهذا الخطر، بالتوازي مع إصدار الحكومة للبيانات والمعلومات الدقيقة، وبناء الثقة مع المواطنين، يشكّل حائط صدّ حقيقيّاً أمام محاولات التأثير والاختراق”.


تطوّر واضح
يرى الكاتب والصحافي المتخصص في الشؤون الأمنية تامر مجدي أن ما جرى خلال الأيام الماضية، على عكس ما جرى الترويج له، يعكس نجاح القيادات الأمنية السابقة. ويقول لـ”النهار”: “الدليل على ذلك أن حركة ‘حسم’ نشرت، قبل نحو ثلاثة أسابيع، فيديو تعلن فيه نيّتها استئناف نشاطها المسلح في مصر، لكن خلال أقل من أسبوعين أُلقي القبض على عدد من عناصرها”.

ويتابع: “بحسب مصادر أمنية مطلعة، فإن أجهزة الأمن كانت ترصد العناصر الذين تسللوا إلى داخل البلاد حتى قبل نشر الفيديو، وتتابع أيضاً تحركات القيادات الموجودة في الخارج. لكنها تعتمد منهجاً يقوم على التريّث وعدم المسارعة في القبض أو التصفية، ما يتيح لها اصطياد عناصر مهمّين، والحصول على معلومات استخبارية ثمينة. وقد حصلت الأجهزة أخيراً على صيد ثمين لم يُعلن عنه بعد”.

الجرائم التكنولوجية
من جهته، يقول خبير في الأمن السيبراني، لـ”النهار”، إنّ “وزارة الداخلية المصرية تسير بخطى متسارعة في مواكبة أحدث التقنيات التكنولوجية العالمية، وتمتلك إدارات متخصصة في هذا المجال”.

ويضيف الخبير، الذي عمل سابقاً ضابطاً في أحد الأجهزة السيادية المصرية ويعمل حالياً في مؤسسة دولية معنية بالأمن السيبراني: “كنت أخيراً في مؤتمر دولي تابع للاتحاد الأوروبي، وتطرّق النقاش إلى تحوّل المافيا من العنف التقليدي إلى استخدام التكنولوجيا في تنفيذ جرائمها”.

ويتابع: “هذا النهج بات معتمداً من قِبل العديد من المنظمات الإجرامية، وفي مقدمتها الجماعات الإرهابية، التي تستقطب خبراء تقنيين ومخترقين (هاكرز) وتدفع لهم مبالغ طائلة، قد تصل إلى ألف دولار يومياً. لذا، فإن وزارات الداخلية حول العالم، ومنها مصر، تستثمر بقوة في التكنولوجيا والكوادر المؤهلة للتصدي لهذا النوع من الجرائم المعقّدة”.