هل ستنضم النمسا إلى حلف الناتو؟

“لا نستطيع الجلوس مسترخين والقول إنه طالما أننا لا نؤذي أحداً، لا أحد سيؤذينا. سيكون ذلك ساذجاً. لقد تغير العالم”.
بكلمات قليلة، حركت وزيرة الخارجية النمسوية بياته مينل-ريزينغر المياه الراكدة في المشهد الجيوسياسي الحيادي لدولة النمسا. وجاءت مقابلة مينل-ريزينغر مع صحيفة “دي فيلت” الألمانية بعد فترة قصيرة على اقتراح مدير الأكاديمية الديبلوماسية في فيينا إميل بريكس أن تبدأ البلاد دراسة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وقالت مينل-ريزينغر إنه سبق لبلادها أن تخلت عن التفسير الضيق للحياد، بمجرد أن انضمت إلى الاتحاد الأوروبي سنة 1995. بالفعل، ولئن كانت العناوين السياسية والاقتصادية هي التي تطغى على فكرة تأسيس الاتحاد الأوروبي، لا يزال ثمة بعد عسكري في معاهدة لشبونة تتمثل في مادة الدفاع المشترك (42.7).
وفي كلمة الوزيرة تلميح إلى إمكانية سلوك بلادها المسار نفسه الذي سلكته السويد وفنلندا اللتان انضمتا إلى الناتو بعد انضمامهما إلى الاتحاد الأوروبي.
يمنع دستور 1955 النمسا من الانضمام إلى أحلاف عسكرية أو تأسيس قواعد أجنبية في البلاد، علماً أن الحياد فرضته الدول الأجنبية، ومن ضمنها الاتحاد السوفياتي الذي وافق على الانسحاب من النمسا بعد حصوله على تلك الضمانة.
النمسا بعد الغزو
منذ الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا، اعتمدت النمسا سياسة متوازنة قامت على المشاركة في فرض العقوبات على روسيا ودعم كييف مالياً، لكنها واصلت شراء الغاز الروسي بشكل شبه طبيعي ورفضت تدريب أوكرانيا أو حتى منحها عتاداً عسكرياً متقادماً.
ليس كلام وزيرة الخارجية النمسوية جديداً بشكل تام. في بداية الألفية أطلق أحد المقربين من المستشار الأسبق وولفغانغ شوسل تحذيراً بعيد المدى: “إن دولة محايدة أو غير منحازة، إذا تعرضت لهجوم، هي (دولة) وحيدة”.
قال المستشار السابق كارل نيهامر إن شرح وضع النمسا المحايد للأجانب أمر صعب، إذ إن حياد بلاده مختلف مثلاً عن حياد سويسرا وقد تجلى ذلك في سرعة انضمام الأولى إلى الأمم المتحدة سنة 1955. (بينما لم تنضم سويسرا إليها إلا في سنة 2002). وذكر نيهامر في مقابلة السنة الماضية “أننا محايدون وسنظل محايدين”، حتى وإن ارتفع الإنفاق الدفاعي للبلاد. وكان ذلك إعادة تأكيد لموقف سابق له أعقب الغزو الروسي.
ماذا يعني تصريحها عملياً؟
لكلام المستشار تأثير سياسي كبير لأنه يرأس حكومة البلاد ويشارك بشكل كبير في وضع سياستها التنفيذية. نيهامر، مثل المستشار الحالي كريستشن ستوكر المعارض أيضاً للانضمام إلى الناتو، يمثلان “حزب الشعب النمسوي” (يمين وسط) وهو ثاني أكبر حزب في البلاد بعد انتخابات 2024، وقد حل ثانياً بعد “حزب الحرية” من أقصى اليمين. بينما تمثل مينل-ريزينغر حزب “نيوس” (المنتدى النمسوي الليبرالي الجديد)، وهو أحد أركان الائتلاف الحكومي الثلاثي والذي يضم أيضاً الحزب الديموقراطي الاجتماعي (يسار وسط) الذي حل ثالثاً. ولم يحصد الحزب الليبرالي سوى 10 مقاعد من أصل 183، بالتالي، قد يبقى تأثير تصريح مينل-ريزينغر على السياسة العامة محدوداً نسبياً.
الرئيس النمسوي ألكسندر فان دير بيلين (يمين) يصافح المستشار كريستشن ستوكر (أ ب)
لقد أقرت بذلك في المقابلة قائلة إن الانضمام إلى الناتو يحظى بموافقة ضئيلة على المستويين النيابي والشعبي، لكنها أصرت في الوقت نفسه على أنه حان وقت النقاش. بالفعل، أظهر استطلاع أجري سنة 2023 أن نحو 60 في المئة من النمسويين رفضوا الانضمام إلى الحلف الأطلسي.
“الحياد وحده لا يحمينا”، ويجب إجراء “نقاش وطني حول سياستنا الأمنية والناتو”، قالت مينل-ريزينغر. بسبب انخفاض شعبية هكذا إجراء، قد لا تحصل وزيرة الخارجية إلا على الحوار. لكن في دولة قال البعض إن أطفالها يتعلمون كلمة “حياد” أسرع من تعلمهم كلمة “ماما”، يمكن أن يكون حتى حوار كهذا بعيد المنال، أو عرضياً، في أفضل الأحوال.