الأرندي: من التراث الثقافي إلى آفاق الشباب… هل سيتمكن بودن من تحقيق النجاح؟

لم يكن لثاني أكبر حزب سياسي في الجزائر أن يُعيد ترتيب بيته بعد الحراك الشعبي في عام 2019، الذي أطاح بأمينه العام الأسبق أحمد أويحيى، لولا الانفتاح الذي شهده الحزب على وجوه قيادية جديدة.
كان أويحيى الرجل القويّ والحقيبة السوداء في حزبٍ وُلد من رحم التحوّل السياسي والأزمة الأمنية اللذين عرفتهما البلاد في تسعينيات القرن الماضي. وكان لا يرحل عن قيادة الحزب إلا ليعود إليها؛ لذا بدا من المستحيل التفكير في شخص آخر، في ظل قوة وسطوة رجلٍ صال وجال طوال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
انتهت مرحلة وبدأت أخرى بعد عام 2019. ومنذ تعيين خليفة أويحيى معارضه الشرس الطيب زيتوني، في ربيع عام 2023. بقي “الأرندي” (الاسم المختصر لحزب التجمع الوطني الديموقراطي) من دون قائد حقيقي حتى استقرّ الأمر على جيل جديد، بانتخاب الأمين العام منذر بودن في تموز/يوليو الجاري.
يرى المحلل السياسي عمر بن رابح أن تولية بودن الأمانة العامة لحزب “التجمع الوطني الديموقراطي” تُعدّ سابقة في الحزب.
ويوضح، في حديثه لـ”النهار”، أن “الأرندي لم يعرف، منذ نشأته، تحوّلاً في نمط التسيير الذي عُرف به، كما يشهده اليوم منذ سحب البساط من تحت أقدام أويحيى”.
ويرى أن “الحزب الذي وُلد بشنبات ـ وفق ما كان يُوصف ـ وبقي التشكيل السياسي الثاني في البلاد لفترة طويلة، لم يكن ليخرج عن أفكار قيادته التي استحوذت على مقاليده، واستأثرت به من دون أن يكون لها أثر إيجابي على الساحة السياسية”، مشيراً إلى أن انتقال المسؤولية إلى شاب في الأربعين من عمره “يعكس تغييراً في تفكير السلطة أولاً، ما دام الحزب ينتمي إلى أحزاب الموالاة المعروفة بتزكيتها لبرامج الحكومة، ويدلّ ثانياً على رغبة داخلية لدى مناضلي الحزب في طيّ صفحة الماضي، خاصة والجزائر مقبلة على انتخابات نيابية وبلدية”.
ويؤكد بن رابح أن “الحراك الشعبي الذي أطاح بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومُواليه، أحدث هزّة عنيفة وسط الأحزاب السياسية، خصوصاً تلك المصنّفة ضمن أحزاب السلطة، ومنها التجمع الوطني الديموقراطي. وقد طالب الشعب حينها بإزاحته من الساحة السياسية، مما دفع إلى انتهاج خطاب ونهج سياسيين مغايرين لما كان سائداً”.
ويلمح إلى التركة الثقيلة التي ورثها القائد الجديد لـ”الأرندي”، ويعتبر أن الجزائر تشهد “موجة جديدة من السياسيين القادرين على مواكبة الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية الراهنة”.
أما بشأن التحفظات المثارة حيال شخص الأمين العام الجديد، نظراً لتاريخه الداعم للولاية الخامسة لبوتفليقة، فيقول بن رابح إن “بودن أثبت حنكته السياسية خلال الأعوام الخمسة الأخيرة؛ فهو من أبرز الوجوه النيابية، ويشغل منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني مكلفاً بالعلاقات الدولية، كما كان له دور كبير في تمثيل الجزائر في البرلمان الدولي. هذا الرصيد السياسي يشفع له لقيادة الحزب نحو مستقبل أكثر حضوراً واتزاناً”.
ومع اقتراب الحوار الوطني الذي وعد به الرئيس عبد المجيد تبون، والاستحقاقات الانتخابية النيابية والبلدية المرتقبة منتصف العام المقبل، تسعى السلطة في الجزائر إلى الدفع بالأحزاب السياسية، ولا سيما الموالية لها، نحو الاستقرار على قيادات شابة وذات كفاءة، تمنحها سنداً سياسياً في ظل تحديات داخلية اجتماعية واقتصادية متزايدة، وأخرى خارجية معقّدة.