إيران تعزز دبلوماسيتها وتقرب علاقاتها مع موسكو في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

د. خالد العزي
شهدت العاصمة الروسية موسكو في 21 تموز/ يوليو 2025 زيارة ديبلوماسية مهمة من علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني الأعلى، الذي اجتمع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تندرج هذه الزيارة ضمن ديبلوماسية مكوكية طهرانية تهدف إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي مع روسيا، خصوصاً في سياق الضغوط الدولية المتزايدة على إيران. وقد كانت هذه الزيارة جزءاً من سلسلة تحركات ديبلوماسية إيرانية، بعد زيارة عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، إلى العواصم الأوروبية. كل ذلك يعكس أهمية التنسيق المتواصل بين طهران وموسكو على الصعد المختلفة.
تعد الزيارة فرصة لعرض رسائل سياسية معقدة، بحيث يعمل لاريجاني وعراقجي ضمن خطين ديبلوماسيين متوازيين لتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي بين إيران وروسيا. هذا التعاون يتزايد بشكل خاص في مواجهة الضغوط الدولية التي تسعى لتقويض الدور الإيراني في المنطقة. وقد شملت المحادثات التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون في مجالات الأمن والطاقة، كما تم التأكيد على أهمية الاستقرار الإقليمي.
تزامنت هذه الزيارة مع حوادث السويداء في سوريا وتوترات جديدة في المنطقة. شهدت السويداء تصعيداً في التوترات الإقليمية بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، مما وضع الشرق الأوسط في حالة غير مستقرة. كما جاءت الزيارة في وقت حساس للغاية، بحيث كانت هناك خطط إسرائيلية واضحة لزيادة الضغوط على “حزب الله” في لبنان، خصوصاً من خلال تنفيذ اتفاق 1701 الذي يهدف إلى نزع سلاح الحزب، وهو ما يُحتمل أن يؤدي إلى تصعيد إضافي في المنطقة. في هذه الأجواء، تساءلت الأوساط السياسية عن دور موسكو في هذه السياسة المعقدة، خصوصاً في ظل ما يُعتقد أنه انهيار التحالف الإيراني – الروسي. يبدو أن روسيا تحاول إعادة تحديد دورها في المنطقة، ربما بتكليف من الولايات المتحدة الأميركية، التي ترغب في توجيه المنطقة نحو استقرار نسبي من دون تهديدات من القوى الإقليمية الكبرى مثل إيران.
موسكو أمام اختبار استراتيجي في ظل احتدام الصراع في أوكرانيا مع الغرب وتريث أميركي مشروط بإنهاء الصراع الروسي – الأوكراني خلال 50 يوماً.
دور موسكو في السياسة الإيرانية
تعد زيارة لاريجاني خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الروسية – الإيرانية، التي شهدت تطورات كبيرة في السنوات الأخيرة. وقد كانت الزيارة فرصة لتأكيد الالتزام الإيراني تعميق التعاون الثنائي في مواجهة العقوبات والضغوط الغربية. وتزامنت الزيارة أيضاً مع مناورات بحرية مشتركة بين إيران وروسيا في بحر قزوين، تحت شعار “معاً من أجل بحر آمن”، وهي رسالة ضمنية لخصوم البلدين في الغرب.
يتحدث البعض عن تحول محتمل في العلاقات الإيرانية – الروسية، في ظل ما يعتقده البعض من احتمال تآكل المحور الإيراني – الروسي نتيجة لسياسات موسكو المتغيرة في المنطقة. روسيا، التي تسعى لتحديد دورها الإقليمي في ظل الضغوط الغربية، قد تجد نفسها مجبرة على موازنة مصالحها مع إيران وبين مطالب الولايات المتحدة وحلفائها.
إيران وروسيا: التحالف في مواجهة الغرب
في ظل الضغط الدولي المتزايد على إيران، أصبحت العلاقات مع روسيا أكثر أهمية من أي وقت مضى. تُعد الزيارة جزءاً من استراتيجية إيران لتعزيز تحالفها مع موسكو في وجه التهديدات المتزايدة من القوى الغربية، ولاسيما منها الولايات المتحدة. كما أن روسيا وإيران تعملان معاً على مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون العسكري.
ويشير البعض إلى أن هذه الزيارة تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة لإيران، حيث تتزايد احتمالات حدوث تصعيد عسكري مع إسرائيل، مما يعزز من أهمية التعاون مع روسيا للحصول على دعم دفاعي في حال حدوث أي تطورات مفاجئة في المنطقة. بينما يسعى التيار المحافظ في إيران لتعميق التحالف مع موسكو وسيلة لمواجهة الهيمنة الأميركية، هناك تساؤلات حول دور روسيا في السياسة الإيرانية: هل روسيا ستكون حليفاً قوياً في مواجهة التهديدات الغربية، أم أنها ستتراجع أمام الضغوط الدولية؟ تبقى هذه الأسئلة محورية في تحديد طبيعة العلاقات الإيرانية – الروسية في المستقبل.
وتُطرح تساؤلات أيضاً حول مدى استعداد موسكو للتصعيد ضد الغرب وإسرائيل. روسيا نفسها تواجه تحديات على الساحة الدولية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، مما قد يؤثر على مدى استعدادها لدعم إيران في مواجهة الضغوط الدولية. لكن تبقى حقيقة أن التحالف الإيراني – الروسي يعكس المصالح المتبادلة في مواجهة القوى الغربية، ويشكل حجر الزاوية في الاستراتيجية الإيرانية للمرحلة المقبلة.
هل توافق إيران على الشروط الأميركية؟
قد تكون الزيارة إشارة ضمنية إلى أن إيران قد تصبح أكثر استعداداً لقبول بعض الشروط الأميركية، خصوصاً في إطار مفاوضاتها المقبلة. ربما تقرأ طهران الوضع الدولي من خلال نظرية “الواقعية السياسية”، التي تضع الحفاظ على النظام السياسي في إيران في الأولوية، مما يعني أن التراجع عن بعض القضايا قد يكون أكثر فائدة من الصدام المباشر مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
بغض النظر عن الأسئلة والتحديات السياسية التي تحوط العلاقات الإيرانية – الروسية، فإن زيارة لاريجاني إلى موسكو تمثل خطوة استراتيجية مهمة في تعزيز التحالف بين البلدين. وفي وقت تتزايد فيه التوترات الإقليمية والضغوط الغربية، تسعى إيران إلى تعزيز تعاونها مع روسيا في مجالات متنوعة، بما في ذلك الأمن والطاقة. وتبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى قدرة روسيا على الوقوف بوجه الضغوط الغربية، وأثر ذلك على مستقبل العلاقات بين طهران وموسكو في ظل التحديات الإقليمية والدولية المعقدة التي تواجهها المنطقة.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الإعلامية.