لماذا لم يكن للجانب الثقافي دور في زيارة الرئيس الجزائري إلى إيطاليا؟

تميّزت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لإيطاليا خلال الأسبوع الماضي، بالتركيز على رفع منسوب التعاون الاقتصادي بين البلدين، إذ تم خلال هذه الزيارة توقيع نحو 30 اتفاقاً اقتصادياً شمل مختلف المجالات وخاصة الطاقة. ولقد توجت هذه الزيارة بلقائه مع بابا الفاتيكان الجديد ليون الرابع عشر الذي أكد في تصريحاته السابقة بأنه سليل القديس أوغسطين المولود في عام 354 م بمدينة سوق أهراس (تغاست) التي تقع بالشرق الجزائري.
ففي هذا اللقاء قدم الرئيس تبون لبابا الفاتيكان ليون 14 غصناً اقتطع من شجرة الزيتون التي غرسها القديس أوغسطين، وفي هذا الخصوص يرى مراقبون سياسيون جزائريون أن هذه الهدية ذات رمزية كبيرة حيث غنها تمثل تأكيداً جزائرياً رسمياً على احترام الديانة المسيحية كما ترمز إلى انفتاح الجزائر على تاريخها القديم الذي تعوّد الرؤساء الجزائريون السابقون على إهماله.
لقد تخللت زيارة الرئيس تبون لإيطاليا تغطية إعلامية مكثفة ولا تزال التعليقات والتحاليل المتنوعة تتواصل حتى الآن وتجمع في الغالب على نجاح هذه الزيارة سياسياً واقتصادياً وديبلوماسياً.
ولكن هناك معلقون متخصصون في الشأن الثقافي يتساءلون عن أسباب عدم تطعيم وفد الرئيس تبون بمؤرخين وأدباء ومفكرين وفنانين جزائريين بهدف تنظيم ندوات ومحاضرات لهم في الجامعات والمراكز الثقافية الايطالية بغية فتح ملف الثقافة والحضارة والعمران في العهد الروماني الذي دام في الجزائر عدة قرون (من 46 قبل الميلاد إلى 429 ميلادية)، من أجل إشراكهم أيضاً في ربط الصلات الثقافية بين الجزائر وإيطاليا راهناً.
وفي الحقيقة فإن نخباً كثيرة من المجتمع المدني الجزائري، وخاصة على مستوى الاتحادات والروابط والجمعيات الثقافية والفنية، ترى أنه من الضروري أن ينتبه المسؤولون الجزائريون إلى أهمية دور الديبلوماسية الثقافية الناعمة في منح السياسات الخارجية للدولة الجزائرية الأساس الثقافي/ الحضاري الذي يجعلها أكثر ديمومة وتمتيناً للروابط الروحية الشعبية.
وفي الحقيقة فإن فتح ملف البعد الثقافي والحضاري الايطالي الجزائري قديماً وحديثاً أمر ضروري لأسباب كثيرة منها أن الفترة الطويلة للوجود الروماني في الجزائر لم تكن مجرد ظاهرة عسكرية وإدارة فقط بل فإن عدداً كبيراً من المؤرخين الجزائريين المتخصصين في هذه الفترة يرون أنها قد تميزت بنهضة فكرية وفلسفية وأدبية وتعليمية ومعمارية لم تسلط عليها حتى الآن أضواء البحث التاريخي لتنشيط وتحيين الذاكرة الثقافية الايطالية – الجزائرية المشتركة.
وعن الارث الثقافي الروماني الجزائري القديم كتب المؤرخ الجزائري المعروف، عبد الرحمن بن محمد الجيلاني، في موسوعته المكرسة لمختلف أطوار التاريخ الوطني الجزائري، ملاحظاً أن التعليم في الجزائر في عهد الرومان “كان إجبارياً بلغته، ورغم ذلك فإن الأهلي لم ينس لغة بلاده فبرع فيهما معاً”، ثم أبرز أنه كانت هناك “مدارس أخرى بشرشال ومداوروش إلخ… وهي متفتحة الأبواب للأغنياء والفقراء على السواء وكلها استعملها الرومان في نشر لغتهم كما فعلوا كذلك بالمحاكم والمسارح والمنتديات الخاصة والعامة، وبذلك تيسّر لأبناء البلاد إتقان لغة الدولة الحاكمة مع المحافظة على لغتهم “.
في هذا السياق ينبغي التذكير أنه في العصر الروماني في الجزائر قد برز أول روائي في تاريخ البشرية وهو أبوليوس المادوري صاحب رواية الحمار الذهبي، والفيلسوف القديس أوغسطين صاحب المتون الفلسفية الشهيرة منها مدينة الله والاعترافات، وأدباء مفكرون آخرون مثل ترتوليان ، وفرنطون، وأبولي، ودونات وغيرهم كثير جداً.