لبنان والأردن… شريكان في تعزيز الاستقرار أمام تغييرات النفوذ الإقليمي

لبنان والأردن… شريكان في تعزيز الاستقرار أمام تغييرات النفوذ الإقليمي

موسي المعاني* 


في هذه المرحلة التي تشهد فيها منطقتنا توترًا متزايدًا، يظهر الأردن ولبنان كحليفين استراتيجيين في مواجهة تقلبات النفوذ الإقليمي، وخاصة الدور الذي تلعبه إيران، رغم اختلاف السياقات الداخلية لهما. يمثّل البلدان سوية نموذجًا عن كيفية حماية السيادة الوطنية، والسعي لاستقرار داخلي دون الانجراف نحو محاور خارجية.
المشهد الداخلي في كلا البلدين يشهد تحديات متشابكة: لبنان يعاني من أزمة اقتصادية حادة، تراجع الثقة بالمؤسسات، وانكماش فرص العمل، بينما الأردن يكابد مؤشرات بطالة مرتفعة وضغوطاً معيشية. ومع ذلك، تبقى الأولوية مشتركة وهي بناء مؤسسات قوية وسعي دائم لتعزيز الأمن الغذائي والمائي والاجتماعي—كما في مشاريع التحلية الأردنية والنهوض بالتنمية المحلية في لبنان ومعالجة انهيار النظام المالي.

المشكلة واحدة، لكنها تتشابك في سياقات متباينة: ضعف بعض مؤسسات دولة، وتغلغل نفوذ أطراف خارجية. ويبرز التدخل الإيراني كعامل مقلق مشترك في الميدانين اللبناني والأردني، من خلال سلوكيات أمنية، دعم جماعات مسلحة، أو نقل تأثيرات التوتر دون مراعاة للحدود.
عندما التقى الملك عبدالله الثاني ورئيس الجمهورية اللبنانية أكدا على ضرورة إنهاء العدوان على قطاع غزة بقطع المساعدة الإنسانية، والضغط نحو التوصل لحل سياسي شامل. وأكد الأردن دعمه الكامل للبنان، خاصة في مسألة حفظ أمنه واستقراره، والمواجهة المشتركة للتحديات الإقليمية، بما في ذلك ظاهرة التهريب والإرهاب وأشكال النفوذ غير القانونية .
من جانب أردني، جاء الموقف الرسمي واضحاً، لاسيما من وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي أعرب عن رفض قاطع لاستخدام أجواء الأردن أو أراضيه كساحة تصعيد أو اختبار للمشاريع الإقليمية. عمّم الصفدي تحذيراً واضحًا بأن أي طائرات مسيّرة أو صواريخ تعتدي على السيادة الأردنية ستُسقط، سواء كانت إيرانية أو إسرائيلية، مع تأكيد أن الأردن لن يدخل في محاور خارجية ولن يُستغل كمنصة ضغط لأي طرف.
أما في لبنان، فالمخاوف كثيرة أيضاً. فقد حذر صحافي لبناني من احتمال تكرار النمط المدمّر الذي عاشته غزة داخل الجنوب اللبناني، ما يدعو للاهتمام العاجل بمنع وقوع «هلال شيعي» وتمدد نفوذ يصل إلى تشكيلات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة اللبنانية.
يجدر بنا أن نرى في هذه التحديات ملامح رسائل مشتركة: الأردن ولبنان، رغم اختلاف التحديات والإمكانات، يواجهان فعل نفس القوى الإيرانية التي تعمل أحيانًا عبر وكلاء محليين، وأحيانًا عبر أدوات مستقلة، لتوسيع نفوذها. ولا يخفى أن الدعم الإيراني لجماعات في لبنان، وكذلك الاتهامات المتبادلة بتمويل شبكات تهريب أو أعمال تخريبية، يؤثر على مناخ الاستقرار.
في الأردن، ثبُت أن الدولة قادرة على حماية حدودها واحتواء أي اختراق أمني أو تهريب مخدرات تموله جهات خارجية، كما برهنت الأجهزة الأمنية على قدرتها في كشف تهريب كبتاغون عبر شبكات دولية، بعضها تربطها علاقات مشبوهة بمنطقة النزاع السوري، مما يسلط الضوء على بعد الأمان من تداخل السياسة والأمن والإقليمية.
في لبنان، الأهمية الآن تتركز على تشكيل إجماع داخلي قوي يدير العلاقة مع المحاور الخارجية، ويحصن قرار الدولة، ويمنع سياسات استقطابية تُكرر فشل الماضي. الأوضاع متقلبة، والحدود ليست وحدها ميدان تجارب إيران، في وقت نجد فيه الاخيرة تواصل مساعيها لإعادة عقارب الساعة الى الوراء وجر لبنان مرة أخرى الى ما کانت قد عانت منه لأکثر من ثلاثة عقود خلت وهذا ما يتطلب المزيد من الحيطة والحذر والعمل الجاد من أجل الحيلولة دون ذلك.
لا يمكن لأردن صامد، ولبنان مطمئن، أن يتجاهلا التضامن في مواجهة النفوذ الإقليمي. الموقف الأردني واضح: نرفض أي محاولة لاختبارنا أو إدخالنا في صراعات لا ناقة لنا فيها ولا جمل. والموقف اللبناني، في ظل التعددية والتعقيد الداخلي، يحتاج إلى نفس الثبات، والتأكيد على أن القرار الوطني هو السائد، وليس المشاريع المزدوجة.
ختاماً، لبنان والأردن بحاجة إلى خطاب موحّد يعيد ثقة المواطن بمؤسساته ويثبت مبدأ الدولة أولاً، بعيداً عن النفوذ الخارجي. والشعبان يستحقان دولة قوية، لا دولة تُجرّها المحاور، بل تتعامل معها بعقلانية ووعي.

الحوار المشترك والتنسيق الثنائي في ملفات مثل الأمن، ومكافحة التهريب، وتعزيز الاقتصاد الداخلي، هو الطريق الذي ينبغي أن يسلكه لبنان والأردن معاً كي يصبحا أكثر تحصينًا أمام أي تدخل قد يضعف استقلالهما.

*وزير الدولة الأسبق لشؤون رئاسة الوزراء في الحكومة الأردنية