أنغام النيل تتلألأ على مسرح المدرج الشمالي في جرش: هارموني بالعربية

أنغام النيل تتلألأ على مسرح المدرج الشمالي في جرش: هارموني بالعربية

دعاء الزيود 

 

في ليلة تماهت فيها الأضواء مع عبق التاريخ، احتضن المدرج الشمالي في مدينة جرش واحدة من أمسيات المهرجان اللافتة، التي تألقت فيها فرقة “هارموني بالعربي” المصرية بأداء كورالي جماعي أعاد للأذهان بهاء الغناء العربي الأصيل بأسلوب معاصر وانسجام صوتي دقيق ومبهر.

 

منذ اللحظة الأولى لصعود أعضاء الفرقة، بدا واضحاً أن الحفل لن يكون تقليدياً، فقد انسابت الأصوات بتناغم مدروس، وحملت معها رسالة فنية رفيعة، تليق بذائقة جمهور مهرجان جرش الذي يحرص، منذ دوراته الأولى، على الاحتفاء بالفن الراقي، لا سيما هذا العام في دورته الـ39 التي تُقام تحت شعار: “هنا الأردن.. ومجده مستمر”.

في فضاء المدرج الذي يحتفظ بصدى قرون من الحضارة، علت أصوات الكورال كأنها نسائم من ضفاف النيل، تصافح ذاكرة المكان، وتغني للأردن من قلب مصر.

 

وتحت سماء مضاءة بخيوط الليزر، وتفاعل حار من الجمهور، تحولت الأغنيات إلى رسائل وجدانية صنعت لحظة فنية متكاملة، كتبت سطراً جديداً في حكاية مهرجان جرش؛ حكاية لا تزال تعكس قدرة الفن على تخطي الحدود وصناعة الدهشة.

في ليلة موسيقية مشبعة بالجمال، احتشدت النخب الثقافية والفنية الأردنية في مدرج جرش الشمالي، يتقدمهم وزير الثقافة مصطفى الرواشدة، في مشهد يعكس حجم التقدير الرسمي والشعبي للفنون الجادة والمشاريع الجماعية التي تعيد للموروث الموسيقي العربي ألقه ووهجه.

 

وأبدى الوزير في كلمته إعجابه بأداء فرقة “هارموني بالعربي”، موجّهًا الشكر لأعضائها على ما قدموه من إبداع وحسٍ عالٍ في إحياء الليلة العربية، ومازحهم بالقول: “شكراً لكم على إتقان اللهجة الأردنية، أهلاً ومرحباً بكم في مهرجان جرش، ونتطلع إلى رؤيتكم مجدداً في دوراته القادمة”.

 

واختُتمت الأمسية بتكريم خاص لمدير الفرقة محمود عوض وأعضائها، تقديراً لإسهامهم الفني في إثراء المشهد الثقافي العربي، وتقديم صورة مشرّفة للفن الراقي ضمن واحد من أعرق المهرجانات العربية.

ولعل من أهم محطات فرقة “هارموني عربي” تاريخياً، كان بروزها الأول في احتفالات عيد الاستقلال الـ79 للمملكة الأردنية الهاشمية، حين رفعت أصواتها بأغاني صادقة ومليئة بالوفاء للملك وللأردن، مما جعل الفيديو المصور لذلك الحدث ينتشر بين الأردنيين والمصريين على حد سواء، محققًا إعجاباً واسعاً وأثرًا ثقافياً عميقاً.

 

هذه اللحظة لم تكن مجرد أداء فني، بل جسدت جسراً من التواصل الثقافي والوجداني بين بلدين تجمعهما أواصر تاريخية وروحية راسخة. واليوم، تستمر الفرقة في تجسيد هذا الإرث المتأصل عبر عروضها المتألقة على مسارح مهرجان جرش، حيث تقدم للفن العربي مزيجاً أصيلاً من التراث والتجديد، تأسر به قلوب الجمهور وتكتب به فصلاً جديداً من حكاية الفن العربي المشترك.

 

فرقة

 

“أما براوه”… لحظة بصوت يسرق القلوب
في إحدى أكثر اللحظات تأثيراً في الحفل، وقفت مطربة الفرقة، بصوتها العذب وهدوئها الآسر، لتغني “أما براوه” بأداء ترك الجمهور في صمت كامل. كان الصوت كأنّه معبرٌ إلى الزمن الجميل، يحاكي دفء الصوت وشفافيته، ويمتزج بعاطفة لحنية لامست الوجدان، لتبقى هذه اللحظة من أقوى مشاهد الحفل وأكثرها تداولًا بين الحضور.

 

الصوت حمل بين طبقاته دفء العاطفة وصدق الإحساس، في تناغمٍ استثنائي بين الأداء والحنجرة، فبدت الأغنية وكأنها تولد من جديد على مسرح جرش، معلنةً عن لحظة فنية نادرة، ستبقى محفورة في ذاكرة المهرجان، ومحل تداول بين من شهدها أو سمع عنها.

رؤية فنية قيادية
بقيادة المهندس محمود عوض، وتحت إشراف المهندس أحمد بديع، وقيادة موسيقية للمايسترو محمود وحيد، ترسم فرقة “هارموني بالعربي” ملامح مشروع فني مدروس، يتجاوز الأداء الجماعي التقليدي، نحو بناء تجربة صوتية تستند إلى مفهوم “الهارموني” بوصفه انسجاماً واعياً بين الأصوات، وإعادة تقديم الأغنية العربية بروح جماعية معاصرة دون الإخلال بجوهرها الطربي وهويتها الأصلية.

 

وقال عوض لـ”النهار”: “هدفنا هو إعادة تعريف الكورال العربي، ليس فقط كتقنية موسيقية، بل كفكرة تحترم التنوع الثقافي وتؤمن بقوة العمل الجماعي. غناؤنا في جرش، وخصوصًا لنشامى الأردن، كان لحظة نعتز بها كثيرًا، وشعرنا أننا في بيتنا الثاني وسط حفاوة استقبال أهل الأردن، ونتمنى أن نعيد التجربة مرة أخرى.”

ردود فعل الجمهور
الحضور عبّر عن إعجابه بأداء الفرقة، فقالت نور: “أدهشني هذا الحضور الأول للفرقة، لم أكن أتوقع أن أشعر بهذا القدر من الطرب والرقي. كل صوت على المسرح كان أشبه بمرآة قديمة تعكس زمن الفن النظيف… كانت أمسية تتجاوز الترفيه، وتلامس الذاكرة والذوق الرفيع”.

 

أما خالد الذي كان يوثق كل لحظات الأمسية الغنائية فقال: “أنا حضرت كثير من حفلات جرش، بس في شي مختلف الليلة. فرقة هارموني عربي كانت مفاجأة مذهلة، ما بين الدقة، والصوت، والحضور.. كل شي محسوب وعالي الجودة، وكأننا في أمسية كلاسيكية بنكهة شعبية.”

وقد اختُتمت الأمسية بتكريم رسمي من إدارة المهرجان للفرقة، تقديرًا لهويتها الفنية الواضحة، ولمشروعها الموسيقي الواعد، وسط إشادات واسعة من الحضور والنقّاد، مع وعدٍ بعودة مرتقبة في الدورات القادمة.