التضخم العالمي يعيد صياغة أنماط التسوق… والواقع يستدعي التفكير المنطقي

على مدار سنوات، اعتاد المستهلكون حول العالم التسوق بحرية، يضيفون إلى سلاتهم ما يشتهون، من دون أن يلقوا بالاً كبيراً للسعر أو الكمية. إلا أن مشهد الاستهلاك تغيّر تماماً بعد جائحة كورونا، وما تبعها من اضطرابات اقتصادية عالمية، تفاقمت بفعل أزمات الطاقة والحروب وتغيرات المناخ.
اليوم، يقف المستهلك أمام رفوف المتاجر بتردّد، يحسب كل خطوة بدقة، ويقارن بين الأسعار قبل أن يختار. لم يعد الشراء قراراً عاطفياً، بل تحوّل إلى سلوك عقلاني يفرضه واقع اقتصادي ضاغط.
تضخّم عالمي… وأزمة ثقة
يؤكد الخبير الاقتصادي بلال شعيب أن التضخم أدى إلى تآكل القوة الشرائية للأفراد بشكل كبير. “حتى في حال ارتفاع الدخل، فهو لا يواكب نسب التضخم المرتفعة، ما يخلق فجوة متسعة بين الدخل الحقيقي والأسعار “، ويرى أن العالم بأسره – سواء الدول ذات الاقتصادات الكبرى أو الناشئة – يواجه تحديات مالية غير مسبوقة، أبرزها تضخم مزمن وديون متصاعدة، “الولايات المتحدة، مثلًا، تعاني من ديون تقارب 38 تريليون دولار، وعجز في الموازنة يبلغ 1.4 تريليون دولار. أما الدول النامية فالوضع فيها أكثر حرجاً، بسبب ضعف التصنيف الائتماني والأزمات الداخلية”.
أولويات جديدة للمستهلك
في ظل هذه الضغوط، تغيّر سلوك المستهلكين بشكل ملحوظ. فهم يعيدون اليوم ترتيب أولوياتهم، ويقلّصون من الإنفاق على الكماليات، ويركّزون على الحاجات الأساسية مثل الغذاء والدواء.
تشير دراسة حديثة أجرتها LendingTree عام 2025 إلى أن 90% من الأميركيين غيّروا عاداتهم الشرائية بسبب التضخم، مع ميل واضح نحو شراء العلامات الخاصة ذات الأسعار الأرخص، وتقليص الإنفاق غير الضروري. أما عالمياً، فتُظهر بيانات Oliver Wyman أن 80% من المستهلكين اختاروا منتجات أقل تكلفة، و40% قللوا من حجم مشترياتهم.
ويقول شعيب: “ما كان يُشترى سابقاً بمئة دولار – كسلعتين على سبيل المثال – قد لا يشتري اليوم سوى سلعة واحدة فقط. الناس أصبحوا أكثر وعياً، ولم يعودوا يقبلون بتجربة منتج غير مضمون الجودة أو مرتفع الثمن”.
تعبيرية (مواقع)
تراجع الكماليات… وازدهار الخصومات
هذا التغير انعكس على قطاعات متعددة، خصوصاً في مجال الموضة والتجزئة. وفقاً لأبحاث Barron’s، شهدت المتاجر التي تركز على الخصومات مثل Dollar Tree وDollar General نمواً، بينما تراجعت مبيعات العلامات الفاخرة.
في المملكة المتحدة، أشار تقرير لصحيفة The Times إلى انخفاض الدخل المتاح للأسر عام 2023، ما أجبر الكثيرين على الاستغناء عن تناول الطعام خارج المنزل أو شراء الملابس الجديدة.
أنماط تسوّق جديدة
المستهلك العصري بات أكثر تنظيماً، ويعتمد على:
• القوائم المسبقة قبل التسوق.
• مقارنة الأسعار واستخدام الكوبونات.
• شراء المنتجات المحلية أو المستعملة.
• تجنب المشتريات العشوائية والكمالية.
مسؤولية العلامات التجارية
وسط هذا التغير، يدعو شعيب العلامات التجارية إلى التحلّي بالنزاهة والشفافية. “الناس اليوم يبحثون عن منتجات ذات جودة وسعر عادل. على العلامات التجارية أن تراعي الضمير الإنساني، لأن المستهلك لم يعد يملك ترف التجربة الفاشلة”. ويضيف أن العلامات الذكية هي من تضع المستهلك في قلب استراتيجيتها، وتقدم عروضاً حقيقية ومنتجات تراعي الواقع الاقتصادي الجديد.
جانب مضيء: مستهلك أكثر وعياً
رغم الضغوط، هناك جانب إيجابي للأزمة. فالمستهلكون باتوا أكثر وعياً بقيمة المال، وأكثر حرصاً على التوفير وتقليل الهدر. هذا التحول قد يُمهّد لنمط استهلاك أكثر استدامة في المستقبل.