تركيا تتجه نحو استخدام ‘يوروفايتر’ لتعزيز قوتها في مواجهة إسرائيل.

تدفع ديناميكيات الواقع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط الدول الإقليمية الفاعلة إلى تعديل سياساتها الدفاعية، لمواكبة التغيرات التي قد تطرأ في ظل التوترات والحروب القائمة.
وتُعدّ تركيا إحدى ركائز النظام الإقليمي، لكنها تواجه تحديات كبرى يفرضها موقعها الجغرافي، فهي تمثل جسراً بين الشرق والغرب، إلى جانب تاريخها الطويل مع الدول العربية، كما أنها من بين أكبر الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) من حيث عديد القوات.
في المقابل، أظهرت تطورات العامين الماضيين أن إسرائيل تمتلك قدرات قتالية متقدمة تتفوق بها على دول الإقليم، سواء من ناحية التكنولوجيا المتطورة أو من حيث التفوق العسكري عموماً، والجوي خصوصاً.
وقبل أيام، وبعد مفاوضات طويلة، توصلت تركيا إلى اتفاقين مع كل من بريطانيا وألمانيا، يُمكّنانها من الحصول على عشرات مقاتلات “يوروفايتر تايفون”.
فقد وقّعت بريطانيا اتفاقاً أولياً مع أنقرة يتيح لها استخدام هذه المقاتلات، بينما وافقت ألمانيا على تسليم 40 طائرة من الطراز ذاته إلى تركيا، بعدما كانت تسجّل اعتراضات متكررة، مبرّرة ذلك بمخاوف جيوسياسية شملت استحواذ تركيا سابقاً على منظومات صواريخ روسية من طراز “إس-400″، والعمليات العسكرية في سوريا، إضافة إلى تأخير أنقرة في الموافقة على انضمام السويد إلى “الناتو”.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قال وزير الدفاع التركي يشار غولر: “لقد عرقلت ألمانيا عملية البيع لبعض الوقت، لكنها وافقت في النهاية بعد ضغوط من حلفاء الناتو، مثل إيطاليا والمملكة المتحدة وإسبانيا”.
وخلال مراسم توقيع الاتفاق مع وزير الدفاع البريطاني جون هيلي في إسطنبول، قال غولر إن الاتفاق يُقرّب تركيا من اتفاقية شاملة بشأن هذه الطائرات، ويعزّز أيضاً القدرات الجوية لتركيا وحلف شمال الأطلسي.
وكانت أنقرة قد بدأت هذه المفاوضات عام 2023 لشراء 40 مقاتلة “يوروفايتر تايفون” التي يصنّعها تحالف يضم ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، عبر شركات “إيرباص” و”بي إيه إي سيستمز” و”ليوناردو”.
وفي هذا السياق، يشير الباحث الألماني الدكتور غونتر زويفرت، المدير المؤسس لمركز الدراسات التطبيقية لتركيا (CATS)، إلى أن “أوروبا تسعى إلى تقوية تركيا في مواجهة روسيا التي تُعتبر التهديد الرئيسي لدول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً دول البلطيق وبولندا”.
ويضيف، في حديثه إلى “النهار”، أن الاتحاد الأوروبي يتوقع أن تُشكّل تركيا ثقلاً موازناً لروسيا، لا سيما في البحر الأسود والشرق الأوسط، موضحاً أن هذا التوجه تتشاركه خاصة ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة.
وبشأن اعتراض برلين السابق، يوضح زويفرت أن “ألمانيا اعترضت على الصفقة بسبب التراجع الديموقراطي في تركيا”، لافتاً إلى أن برلين، نظراً لاحتضانها جالية تركية كبيرة تضم جماعات عرقية ودينية معارضة، يفترض أن تكون أكثر انتقاداً للحكومة التركية، “لكن في النهاية، طغت المخاوف الأمنية على الاعتبارات الديموقراطية”.
“صداع” في إسرائيل
لا يمكن فصل الاتفاق الجديد عن التصعيد الجوي الإسرائيلي في الأشهر الماضية، خصوصاً في سوريا وإيران، حيث عززت إسرائيل من حضورها الجوي، ما أثار قلقاً تركياً متزايداً دفع أنقرة إلى الإسراع في تعزيز قدراتها الجوية لمواجهة أي تهديدات محتملة.
هذا القلق انسحب بدوره على إسرائيل. إذ نقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن مسؤولين إسرائيليين قلقهم من تطور القدرات الجوية التركية، واصفين الأمر بـ”الصداع”، رغم تأكيدهم أن ذلك لا يشكّل تهديداً مباشراً، في ظل امتلاك سلاح الجو الإسرائيلي طائرات “أف-35” الشبحية.
أما الجارة اليونان التي تجمعها بتركيا خلافات حدودية واستراتيجية في بحر إيجه وقبرص، فقد بدا قلقها أكثر وضوحاً. فبالنسبة إلى أثينا، الشريك في “الناتو”، فإن طائرات “اليوروفايتر” قادرة على حمل صواريخ جو-جو من طراز “ميتيور” التي تُعدّ من بين الأكثر تطوراً في العالم، بمدى يتجاوز 100 كيلومتر. كما أن أنظمة الاستهداف الموجّهة بالرادار تجعلها فعالة للغاية ضد الأهداف المراوغة، وقادرة على إصابة أهداف متعددة في وقت واحد.
بالتوازي، تُجري تركيا محادثات مع الولايات المتحدة لشراء 40 طائرة من طراز “أف-16″، إذ إن أسطولها الحالي من هذه الطائرات بات قديماً، وتسعى أنقرة إلى تحديثه.
“لن يُغيّر ميزان القوى”
لكن، هل هذا كافٍ لإحداث تغيير في ميزان القوى الإقليمي؟
يرد الباحث الألماني زويفرت على هذا التساؤل بـ”لا” قاطعة، موضحاً أن طائرات “يوروفايتر” التي ستستلمها تركيا “طراز يعود إلى نحو 20 عاماً، فيما تمتلك كل من إسرائيل واليونان طائرات ’أف-35’، أو ستتسلمها قريباً”، مضيفاً: “لذا من غير المرجّح أن تتمكن تركيا من استخدام هذه الطائرات لزيادة الضغط على أثينا أو تل أبيب”.
ويتابع: “ليس من الواضح ما إذا كانت تركيا ستُقدم فعلاً على شراء طائرات ’يوروفايتر’، أم أنها تستخدم هذا المسار كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة للحصول على شروط أفضل في صفقة ’أف-16’”.
وفي رأي غير بعيد، يرى علي باكير، الزميل الأول غير المقيم في “مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط” التابعة للمجلس الأطلسي، أن المفاوضات المطوّلة والمليئة بالشكوك مع واشنطن بشأن صفقة “أف-16″، دفعت تركيا إلى النظر في مقاتلات “يوروفايتر” كبديل محتمل.
ويشير موقع Aero News Journal إلى أن مساعي تركيا لتسريع شراء مقاتلات “يوروفايتر تايفون” تُعدّ خطوة متعددة الأبعاد، “تجمع بين الاحتياجات العسكرية الفورية والتخطيط الاستراتيجي الطويل الأمد، والمناورات الديبلوماسية، والاعتبارات الاقتصادية”.