من “السلام بالقوة” إلى “السلام من خلال الحكمة المتقدمة”?

بحلول 2050، سيكون سكان نحو 90 دولة في العالم أقل عدداً عند نهاية كل سنة، مما كان عليه في بدايتها.
استعرض أستاذ العلوم السياسية في جامعة دوكين الأميركية مارك هاس أرقاماً متنوعة للإشارة إلى أن شيخوخة السكان ستقلل احتمالات الحرب في المستقبل. مقال هاس في مجلة “فورين أفيرز” والمستقى من كتابه “سلام الشيخوخة: شيخوخة السكان وتراجع الحروب”، مدفوع بدراسات عدة.
عادة ما تستعر الحروب أكثر مع ارتفاع الناتج القومي والناتج المحلي الإجمالي للفرد، بالتالي، سيتسبب تراجع هذا المؤشر بتراجع الحروب. وبمجرد أن يبلغ الإنفاق على الرعاية الاجتماعية نحو 25 في المئة من الموازنة، وهو ما سيحصل سنة 2050، ينحسر أيضاً احتمال النزاعات. ويؤدي تراجع القوة البشرية المؤهلة للخدمة العسكرية، كجزء من انخفاض عدد السكان، إلى عدم قدرة الجيوش على تحقيق أهداف التجنيد لديها، كماً أو نوعاً.
وتحدث هاس سريعاً عن “نافذة الفرصة” التي تدفع بعض الدول لاستغلال ما تبقى لها من وقت “ديموغرافي” لتحقيق أهداف عسكرية، لكن قرارات شن الحرب ستواجِه بحسب رأيه تظاهرات مناهضة بسبب الاعتراض النسبي لكبار السن على الحروب.
سباق
يستحق سباق القادة مع “انغلاق النافذة” إضاءة خاصة. قد تكون الحرب على أوكرانيا، في جزء منها، محاولة لإبطاء التراجع الديموغرافي الروسي المزمن. مع إضافة أكثر من 50 مليون أوكراني إلى القوة البشرية الروسية، ربما فكرت روسيا في الأساس بتخفيف “كارثية” وضعها السكاني. ففي 2021، كانت نسبة الخصوبة في روسيا 1.5، وهي أقل بكثير من معدل الاستبدال (2.1).
في الوقت نفسه، لم يحقق نزاع أوكرانيا توقع هاس باندلاع تظاهرات روسية أو أوكرانية لوقف الحرب، بالرغم من الاستنزاف الكبير وانخفاض الخصوبة في البلدين (أوكرانيا عند 1). ربما تحدث الاحتجاجات في دول أخرى، لكن ذلك يعني وجود عوامل محلية مختلفة ينبغي أخذها بالاعتبار مثل طبيعة أنظمة الحكم والنظرة إلى أسباب الحرب (وجودية، إقليمية…) وغيرها.
جنود أوكرانيون (أ ب)
وتجد فكرة هاس دليلاً إضافياً في الشرق الأوسط، حيث أظهرت إسرائيل مثلاً قدرتها على خوض الحروب في جبهات عدة، وطوال نحو عامين، بسبب ارتفاع نسبة الخصوبة فيها إذ بلغت مؤخراً 2.9 وهو رقم أعلى بكثير من معدل الاستبدال.
في الوقت نفسه، تحافظ القوة العظمى، الولايات المتحدة، على نسبة خصوبة مقبولة نسبياً (1.6) بالمقارنة مع منافستيها روسيا والصين (1.2 سنة 2024)، مما يجعلها بحسب هذا المؤشر على الأقل، أكثر قدرة على خوض الحروب. وبعكس المنافستين، أميركا هي دولة جاذبة للمهاجرين حول العالم، مما يخفف وطأة مشكلتها الديموغرافية.
ما يجمع هذه الأسماء
ربما ينبغي أيضاً مناقشة فئة ديموغرافية أخرى من كبار السن: الحكام والرؤساء في معظم الدول القوية. من دونالد ترامب مروراً بفلاديمير بوتين وشي جينبينغ وناريندرا مودي وشهبار مشرف وعلي خامنئي وليس انتهاء ببنيامين نتنياهو، يبدأ القادة بعد السبعين من العمر التفكير بإرثهم. وهذا ما يفسر، جزئياً، اندلاع بعض الحروب الحالية أو احتمال اندلاع أخرى في المستقبل. إذا رأى الرئيس الصيني شي جينبينغ أن ضم تايوان سيحدد إرثه لأجيال عدة، فقد يكون التحرك العسكري العابر للمضيق وسيلة محتملة جداً لبكين في المدى المنظور.
باختصار، ثمة الكثير من الأدلة المقنعة التي عرضها هاس في مقاله. مع ذلك، سيتعين على العالم اختبار فترة زمنية خطرة قبل الوصول إلى “سلام الشيخوخة” المفترض.