نيحا البقاع: بقايا مسار القوافل الرومانية بين بيروت وبعلبك

نيحا البقاع: بقايا مسار القوافل الرومانية بين بيروت وبعلبك

ماذا لو أتيح لك ليوم واحد أن ترتحل على المسار الذي سلكته القوافل الرومانية على مدى قرون، ما بين بيريت/بيروت وهيليبوليس/بعلبك؟ لقد إخترنا لك، من على هذه الدرب المزروعة بالمعابد والقلاع الرومانية، محطة رئيسية في بلدة نيحا البقاعية في قضاء زحلة، نيحاتا سالفاً، بمعبديها وحصنها من آثار الحقبة الرومانية. صحيح أن الرحلة اليوم بالسيارة أسرع ولكن ما إن تصل الى نيحا فسيتباطأ الزمان.

 

 

نيحا البقاع (النهار)

 

متخفيين في واد بين جبلين، وكأن المعبدين أنشئا هناك، في آخر البلدة، مكافأة لعناء اكتشافهما. يتوجب عليك أن “تشدّ طلوع” لتبلغ موقعهما، قبل أن تنحدر الطريق نحو مدخلهما، وما بين الطلعة والنزلة، عن يمينك يطلّ جانب من المعبد الكبير، كتلة ضخمة منحوتة، مدهشة تحبس الأنفاس. ثمة رسم دخول لزيارة المعبدين، وتفتقر نيحا الى أدلاء سياحيين يرافقون الزائرين. 

 

 

 

لكن قبل أن تستعجل الدخول إلى المعابد، انظر الى يمينك، ستجدها هناك: لقد فعل الزمن فعله فيها إهمالاً، لكنها لا تزال تحتفظ بمعالم مكانتها، بخصلات شعرها المسدولة حول قلادتها، صولجانها، بقايا الأسدين حارسيها… إنها “أتارغاتيس”، آلهة الحب والخصب والجمال، التي من أجلها ومن أجل “هدرانيس” إله البرق والرعد أقيم معبدا نيحا الكبير والصغير. 

 

يجمع معبدا نيحا ما بين الصلابة والرقة، بين رؤوس أسود تنظر إليك شزراً، وباقة ورود ونبات من حجر، لذلك تمعنوا بالتفاصيل، من كل الاتجاهات، دوروا حول المعبدين القائمين على ضفتي سيل ذوبان ثلوج سلسلة جبال لبنان الغربية. 

 

 

 

وقد لعبت المياه دوراً في هندسة المعبدين وطقوس العبادة فيهما، لاسيما في المعبد الصغير. أما المعبد الكبير، فهو مصغّر عن معبد باخوس ببعلبك، هو الأغنى بنقوشه، وأبرزها لتيبيريوس، كاهن المعبد، الذي لا يزال، ولو منقوشاً على الحجر، ساهراً على هيبة المعبد. قبل دخول المعبد عبر الدرجات المفردة، فتبدأ بالقدم اليمين وتنتهي بها، توقف عند ساكف الباب وارفع نظرك الى أعلى.

 

 

 

التسكع في معابد نيحا والاستسلام لإيقاع الزمن المتباطىء يضاعفان زخم التجربة، فالريح التي تعبث بالمكان، منذ غابر الزمان، حملت معها همسات من مروا في المكان، وطيف هوشماميا العذراء التي انقطعت عن أكل الخبز 20 سنة وفاء لنذر.

 

إن كنت تظن ان هذا كل ما لدى نيحا أن تقدمه، فاصبر هناك المزيد. لنكمل الرحلة صعوداً بإتجاه جرود البلدة، انظر الى يسارك ستجد مقلع الحجارة التي بني بها الهيكل، وفيما تعبّ السيارة بحراً من بساتين الفاكهة، وأنت مأخوذ بالمشهد سيطل عليك حصن نيحا، ألم نقلّ أن في نيحا يتجاور البأس مع الضعف، العبادة مع الحرب؟ لقد عمل المخربون والطامعون وعوامل الزمان بحصن نيحا، لكن زيارته ستخبر عما كان، ناهيك  بالمنظر الذي يمتد حتى سهل البقاع وسياجه سلسلة جبال لبنان الشرقية. 

 

 

 

اذا رغبتم يمكنكم أن تكملوا الرحلة لتزوروا الكاتدرائية التي تطل عليكم بقبتها، وقد بنيت حديثاً على تخوم نيحا، الفرزل وزحلة.

ونيحا ليست فقط بلدة المعابد والتاريخ، بل أيضاً موطن الفاكهة الطازجة والمقطّرات العطرية. لا تفوّتوا فرصة تذوّق خيراتها، والارتواء من نبعها… ومن كرم ناسها.