مقام النبي أيوب في الشوف… رمز الصبر على جبالها

مقام النبي أيوب في الشوف… رمز الصبر على جبالها

حين يُسأل الموحدون الدروز عن السر الكامن في مقام النبي أيوب، يكون الجواب دائماً الراحة النفسية التي تضاهي علاجاً لكل مرض، وحينما يتعمّق السؤال أكثر عن سبب هذه الراحة النفسية، فإن مردّها ديني بحت، وهو الثقة بالله والصبر بانتظار فرجه، ولهذا السبب، عادة ما يزور هذا المقام كل من حمل همّاً أو مرضاً، ليستلهم من قصة النبي أيوب.

 

مقام النبي أيوب في الشوف (النهار)

 

مقام النبي أيوب هو أحد أبرز المقامات والمواقع الدينية عند طائفة الموحدين الدروز في الشرق الأوسط، وهو مرقد النبي أيّوب، الذي اختبر الابتلاء وعُرف بالصبر. 

 

يقع المقام في بلدة نيحا الشوفية، وهي بلدة مختلطة من الدروز والمسيحيين، على علو 1400 متر عن سطح البحر، ويزوره مؤمنون وسائحون من لبنان والعالم شرقاً وغرباً.

“النهار” زارت المقام المحاط بسفوح جبال وأشجار وأودية وتلال، وموقعه فريد لم تفسده العمارة وبقي على طبيعته. يطلّ شمالاً على قضاء الشوف وجنوباً على ساحل صيدا. مدخله واسع تتوسّطه قنطرة ضخمة ومن ثم باحة واسعة وغرف يميناً ويساراً كان المؤمنون يبيتون بها، جدرانها من الحجر الأبيض. ثم درج قصير يسلكه من يريد زيارة الحجرة، أي مرقد النبي أيوب، ومحيطه باحات كبيرة، منها ذات فضاء مفتوح، ومنها مظلل بالأشجار المعمّرة، والباحات تطل على الجهات الأربع. 

أجواء المقام الديني هادئة دائماً لمنح المؤمنين تجربة الشعور بالخشوع، وأعلام البيارق، وهي أعلام الموحدين الدروز، منتشرة في المكان.

 

 

على المقلب الآخر من المقام مغارة صغيرة ينير داخلها المؤمنون الشموع، وعلى هذه المغارة لافتة معلقة كتب عليها باللغة البنغالية، وحينما يُسأل أحد المسؤولين عن المقام عن سبب هذه الكتابة، يشير إلى أن زوار المقام “ليسوا فقط لبنانيين أو عرباً، بل من كافة الجنسيات، وخصوصاً الهندية والبنغالية”، ويستقبل المقام دورياً مجموعات من دول آسيا الوسطى.

يمين المغارة نبعة مياه، يقال عنها مياه مباركة تفجّرت تحت قدمي النبي أيوب يشرب منها الزائرون والمؤمنون.

 

 

عاينت “النهار” هذا المعلم الديني – السياحي، وقد كان في الاستقبال رئيس مصلحة الشؤون التربوية والدينية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز فاضل سليم وعدد من المشايخ، الذين رووا بعض التفاصيل عن هذا المقام التاريخي والاستثنائي عند الموحدين الدروز والناس عموماً، وقالوا لـ”النهار” إن زوّار هذا المقام من كافة الأديان والمذاهب والجنسيات، يزورونه “ليستلهموا من قصة النبي أيوب وصبره على الابتلاء”.

يدير المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز هذا الموقع ويهتم بشؤونه وعمليات ترميمه وفق ما يشير سليم، وقد أدرجه مجلس الوزراء على قائمة المواقع السياحية الدينية.

 

 

قصة النبي أيوب الملهمة تدفع بالمؤمنين إلى زيارة المقام، والعبرة منها تبث فيهم روح الصبر، يرويها سليم لـ”النهار” بجلسة عند الباحة الأولى بعد القنطرة، فيقول إن النبي أيوب كان من منطقة حوران السورية، يتمتع بحياة مليئة بالصحة والمال والرزق والأبناء والأصدقاء، ويقال إنّه عاش أكثر من 40 عاماً في هذه الحالة، لكنه كان يعتبر هذه الحياة اختباراً له، وحسب الرواية، فإنه كان يساعد الفقراء والمحتاجين.

المنعطف في حياة النبي أيوب كان ابتلاءه بالمرض الشديد وفقر الحال وهجر الأحباب، وقد انتقل إلى نيحا خلال فترة مرضه، وكانت زوجته تحاول مساعدته دون جدوى. صبر على الألم وعلى تبدّل الحال، وكانت عبارته الدائمة “رزقني الله 40 عاماً، أفلا أصبر على الألم 7 أعوام؟” وفق ما ينقل سليم، وحينما اشتدّ الابتلاء، خاطب ربّه، فقال له “إن مسّني الضرّ، وأنت أرحم الراحمين”، وهي المفارقة التي يتوقف عندها سليم، فيقول إن “الناس يطلبون من الله بصيغة الأمر، افعل هذا يا الله وحقق لي ذاك، فيما أيوب ناجى ربّه بصيغة طلب الرحمة”.

ووفق الرواية، يقال إن الله أهدى النبي أيوب ليضرب بالأرض فيتفجّر ينبوع يشرب منه فيشفى، وتعود زوجته من سفر طويل فلا تعرفه بعد تبدّل حاله وعودة عافيته، ويقول سليم: “سألت الزوجة أيوب عن أيوب، لأنها لم تعرفه”.

 

 

 

يروي المسؤولون عن هذا المقام الرواية والعبرة بعدها، ويقولون إن النعم اختبار والابتلاء اختبار، والصبر والتوكّل مفتاح كل اختبار وفرج، ولهذا السبب يزوره الكثير من المؤمنين الذين يشعرون بضيق أو يعانون من أزمة، فيلهمهم النبي أيوب بالصبر.