عمّيق: ملاذٌ للسكينة والتجديد في قلب البقاع الغربي

عمّيق: ملاذٌ للسكينة والتجديد في قلب البقاع الغربي

إن كنت ترغب في الانفصال عن ضوضاء الحياة اليومية والتخفّف من ضغوطها، فما عليك سوى قضاء يوم في عمّيق في البقاع الغربي، حيث البساطة الفخمة، هنا تعيش الطبيعة على سجيّتها ما بين الأراضي الرطبة والجبل.  

 

 

محميّة عمّيق الطبيعية، هي من أهم الأراضي الرطبة في لبنان، وموطن لعشرات أنواع الطيور المقيمة والمهاجرة، وللجواميس المائية، وهي مقصد لممارسة هوايتي مراقبة الطيور والتصوير، ومن صبر نال. 

 

 

توفر عمّيق متعة المشي على الدروب المحيطة بمستنقعاتها. ما عليك سوى أن تسير الى حيث يقودك الدرب، بهوادة، وتناغم تامّ مع المحيط، لتنفلش أمامك صفحات كتاب مفتوح على ذاتك وعلى غنى النظم البيئية من حولك. هي تجربة توقظ حواسّك كلها؛ بصرك يسرح بين المناظر ليأسره مشهد، سمعك ينضبط على إيقاع الحياة الريفية والبريّة، أنفك يتوسّع فتمتلئ رئتاك بالهواء النقيّ. وكلما استرخيت أصبحت أكثر تنبّهاً لمحيطك، فتفاجئك الطبيعة بما ينتفض له قلبك… فرحاً، لتبلغ من الشفافية بحيث تشعر بأن النسيم يعبر من خلالك. 

 

 

ركوب الدراجة الهوائية نشاط متوفر في حوش عمّيق، لاستكشاف المنطقة، فاقصد عمّيق البلدة، وعرّج على دير طحنيش المجاورة وزرْ كنيستها بجداريّاتها التي لا مثيل لها. 

 

كل هذا النشاط في الهواء الطلق يفتح النفس، فإلى مطعم “طاولة عمّيق”، لترضي حاسّة التذوّق، بغنى النكهات من أشهى المأكولات والمشروبات المحلية، الموسمية، والبيتية بامتياز. بعد أن تأكل وتشرب ما لذّ وطاب، لا بدّ من الاسترخاء على مرجة المكان، فلا يعود الوقت يهمّ، سهل البقاع وقراه حديقتك وجبل حرمون وسلسلة جبال لبنان الشرقية السياج الذي تسند إليه نظرك. لا بدّ من تنبيهكم إلى أن “طاولة عمّيق” تحتاح إلى حجز مسبق.

 

 

ثمّة بعدٌ آخر لزيارة عمّيق، وهو المساهمة بمشروع إعادة إحياء منطقة الشريط الغربي للبقاع الغربي وتنشيطها، بيئياً واقتصادياً واجتماعياً. فقبل 28 سنة، ما كانت “محميّة عمّيق الطبيعية” تشبه ذاتها اليوم، كانت أرضاً استباحتها الجيوش المحتلة، الرعي الجائر، الاستغلال للثروتين المائية والزرعية. إلى أن قرّر آل سكاف، وهم أكبر المالكين، أن يعيدوا الروح إلى المنطقة المنكوبة، وفق رؤية لنظام اقتصادي متوازن ومستدام، ببرنامج بعيد الأمد، من منطلق أنها تركة يجب عليهم تمريرها للأجيال المقبلة، على ما يخبرنا ميشال سكاف راوياً قصة النهوض بعمّيق ومحيطها. فأغلقوا عمّيق قرابة 18 سنة، من عام 1997 لغاية 2015، ليتسنّى لها “تضميد جراحها”. 

 

 

وبالتعاون مع منظمة “آروشا” البريطانية، أعادوا ترميم النظام البيئي للمنطقة الرطبة لتستعيد مستنقعاتها، وبدأوا ببرنامج إعادة تشجير المنطقة الجبلية بمعدل 10 آلاف شجرة حرجية سنوياً، زرعوا ألف دونم من الأشجار المثمرة وألفاً أخرى غرسوها بالكروم لاستعادة الغطاء الأخضر. 

 

وهم لا يزالون إلى الآن يكافحون الرعي الجائر وقطع الأشجار طمعاً بالحطب. لم تستردّ عمّيق فقط دورها كموئل للطيور المهاجرة، بل أعادوا إليها، في عام 2000، الجواميس المائية التي كانت تعيش فيها في أربعينيات وخمسينيات القرن الـ20. يصعب اليوم تخيّل أن مطعم “طاولة عميّق” كان قبل عام 2007 مزرباً للماشية، ليضحي اليوم مبنى بهندسة بيئية جرى تنفيذه بالتعاون مع السفارة السويسرية، واستخدمت فيه تقنية “البئر الكندي” الذي يتيح نظام تدفئة وتبريد طبيعيين.

 

ثم تعاقدت “مصلحة سكاف-عمّيق” مع سلسلة مطاعم “الطاولة” الملائمة للمفهوم العام للسياحة في عمّيق، “البساطة بكلّ فخامتها”، وهكذا فإن الطعام والشراب المقدمين في المطعم من أجود المنتجات المحلية الطبيعية، تطهوه سيدات من المنطقة، الخدمة ذاتية، لا موسيقى ولا حفلات، بل استمتاع بالأجواء والأحاديث. تكامل مطعم عمّيق مع بدء السياحة البيئية بالمشي على دروب المنطقة الرطبة وفي الجبل. والجدير ذكره أن 50 في المئة من أرباح المطعم كما عائدات زيارة المنطقة الرطبة تذهب لتمويل مشاريع إعادة إحياء النطاق الحيوي لأرز الشوف الذي تشكّل عمّيق امتداداً له.

 

 

وفي السياق نفسه، أعادوا تدريجاً تنظيم أسس الزراعة في سهل عمّيق وفق معايير تراعي البيئة والصحة العامة، فتحوا المجال لتجارب ومبادرات زراعية جديدة وشبابية، فباتت منتجات عمّيق التي تُسقى من مياه النبع الخالية من أي تلوّث، مضرباً للمثل. 

 

 

استطاعت “محميّة عمّيق الطبيعية” أن تفرض نفسها على الخريطة السياحية، مستقطبةً عشرات آلاف الزوار سنوياً، ممّن يرغبون في أن يعيشوا خبرة الاتحاد مع الطبيعة على سجيّتها، وإرساء بيئة تحتية جذبت للمنطقة استثمارات جديدة بقيمة مضافة، فيما حبل الخطط على الجرّار لمزيد من المشاريع. والسرّ بحسب ميشال سكاف: “العمل بهدوء وصبر، وفق خطة تراكمية”.  

في عمّيق لا تتعلم فقط كيف تسترخي بل أن تتجدّد أيضاً.